خطاب أوباما الإقصائي إعلان الوجه القبيح للإمبريالية الأمريكية

منذ أيام وقف زعيم العالم (الديمقراطي) على منبر الأمم المتحدة، وأظهر بصورة جلية لاتحتمل اللبس ولا التفسير المنظومة الفكرية المغرقة في أصوليتها، والمرجعية السياسية الإقصائية لقادة الديمقراطية المعلبة ومُصدّريها:

(حان الوقت لعزل من جعلوا من كره الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب مبدأهم السياسي الرئيسي).

هكذا، وببساطة شديدة قرر السيد باراك حسين أوباما الغارق في معركته الانتخابية، تخليه عن التلطّي وراء الشعارات الإنسانية والديمقراطية التي حاول (الضحك) على ذقون الشعوب النامية من خلالها، خاصة تلك الشعارات التي ساقها ضمن خطابه في القاهرة عام 2009. قرر أوباما إعلان الوجه الحقيقي القبيح للإمبريالية العالمية بالكلام العلني الصريح، بعد أن اكتشفته البشرية من خلال الويلات التي ذاقتها.

ربما أراد السيد أوباما الذي يسعى إلى تجديد ولايته، تقديم اعتماده إلى المنظمات الصهيونية الأمريكية من جهة، والمزايدة على صقور الجمهوريين لكسب أصوات المجمع الصناعي العسكري الأمريكي من جهة ثانية.. وربما أراد إفهام من يطالبون بنزع أحادية القطب، أن طريقهم مسدود، لكنه في الحالتين لم يأتِ بجديد تجهله الشعوب التي اختبرت السياسة العدوانية الأمريكية عن كثب. لم ينبس بكلمة واحدة عن السبب الذي أوجد في عالمنا هذا(كارهي) الولايات المتحدة.. والغرب.. وإسرائيل؟! عالمنا مخصص حصراً لعشاقهم لا لكارهيهم. أي بكلمة أخرى: ليذهب المتضررون من الهيمنة الأمريكية الصهيونية وشركائها الأوربيين إلى الجحيم.. لامكان في عالم اليوم لشعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية واللاتينية، تلك الشعوب التي ذاقت ديكتاتورية الرأسمال، وقد تحولت خلال العقود الماضية إلى كيان يمنح البركة.. ويوزع اللعنات، يشن الحروب.. ويغزو(ديمقراطياً)، وينشر تداعيات أزماته الاقتصادية المدمرة لتفقر العمال والفلاحين وجميع المنتجين في العالم بأسره.هذه هي ديمقراطية الإمبريالية الأمريكية والعنصرية الصهيونية الإقصائية: إما أن تتحولوا إلى شعوب (ترضع) قطرات الحليب التي تتكرم بها منظمات الإغاثة، ثم تسبّحون بعد ذلك بحمد الطغمة المالية العسكرية، و(الديمقراطية) الخالصة التي أفقرت 43 مليون أمريكي.. ورفعت عدد جياع العالم إلى أكثر من مليار و300 مليون جائع، وإما أن تذهبوا إلى كوكب آخر!

اختبرت شعوبنا العربية جيداً محبة الولايات المتحدة عندما تسلمت من الإمبراطورية البريطانية زمام الأمور. ففي عام1953 تحدث المستر جيفرسون كابري سفير الولايات المتحدة في مصر أمام بعض رجال السلك السياسي الأجنبي قائلاً: (إن الولايات المتحدة زائر جديد للشرق الأوسط، وهي حريصة على ألا تكون كالزائر البريطاني والفرنسي، بل هي مصممة على أن تغدو زائراً وصديقاً بكل ما تملكه الكلمتان من معان. ) – مجلة (أكتوبر) المصرية، العدد 1402 لعام 2003.

الكلمتان هما زائر.. وصديق، أما المعاني فقد توضحت بعد ذلك، فالزائر تحول إلى محتل.. وشريك لمحتل.. وأما الصديق فكان صديقاً.. وحامياً ومشجعاً لدولة صهيونية قامت على احتلال أراضي الغير، وأثبتت بالمجازر التي ارتكبتها، أنها أشد الكيانات العنصرية تطرفاً وسفكاً للدماء عرفته البشرية.

لقد تفرد القطب الأمريكي الأوحد بالقرار السياسي والاقتصادي العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ووضع مخططاً جديداً لشرق أوسط جديد، كإقليم محاب للإمبريالية الأمريكية، يسمح بانسياب الثروات النفطية العربية، ويسهّل تدفق الشركات العابرة للقارات، يتولى الكيان الصيهوني فيه دور الدركي المدجج بالسلاح، ويطوي إلى الأبد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وإقامة الدولة المستقلة.ويرفع هذا المخطط في شقه السياسي شعار مكافحة (الإرهاب.. والأنظمة الشمولية) التي تعني حسب المواصفات الليبرالية الأصولية إلغاء العداء للإمبريالية والاستعمار من قواميس الشعوب التي رفضت لوح الوصايا الأمريكي، وسعت إلى تشكيل دولها الوطنية التحررية، بعيداً عن الديمقراطية الأمريكية.. والثقافة الأمريكية.. والمطبخ الأمريكي.

أما الشق الاقتصادي فيتضمن نشر برامج التثبيت الهيكلي أو ما اصطلح على تسميته( توافق واشنطن)، الذي دبجته الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والمصرف الدولي، هذه البرامج الهادفة إلى إعادة هيكلة اقتصادات الدول وفق اقتصاد السوق الحر من جميع القيود بمعزل عن تدخل الحكومات، والتراجع عن سياسة الدعم الحكومي للفئات الفقيرة والمتوسطة، وتحرير التجارتين الداخلية والخارجية، والاندماج في السوق العالمية الواحدة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوربية الكبرى.

في أزمتنا السورية المركبة.. المختلطة بين مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعواملها الداخلية والخارجية، اختبرنا جيداً جوهر المخطط الأمريكي، فقد بدأ بنصائح تحمل طابع الإملاء، وتدرّج إلى تجميع المعارضات من أصحاب الجنسيات المزدوجة، وتسليط سيف العقوبات، ولم ينتهِ بتشجيع وتمويل وتسليح أشد الفئات الظلامية السوداء، وتسهيل تسللها إلى الأراضي السورية. فما زالت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الأوربيون والخليجيون والعثمانيون الجدد بانتظار الفرصة السانحة لدفن جميع الخطط السلمية لحل الأزمة السورية، وخاصة ما جاء في وثيقة جنيف، والتفرد بغزو سورية.

يقول أبو سلام(الجهادي) القادم إلى سورية، والذي لم يفقد حس السخرية لصحيفة (الغارديان) البريطانية: (إن الولايات المتحدة والجهاديين، أعداء العقد السابق، وجدوا أنفسهم مجدداً يقاتلون في الخندق نفسه)!

العجيب هنا أن بعض السوريين ما زالوا يعتقدون أن الحرية والديمقراطية ستأتي بدعم خارجي من الإمبريالية الأمريكية وحكام الإمبراطوريات الاستعمارية السابقة، لا من الحراك السياسي السلمي الذي رفع شعارات سياسية واقتصادية واجتماعية مشروعة، لقيت قبولاً وتأييداً من مختلف القوى السياسية في البلاد.

 وفق مضمون كلمات أوباما، فقد حان وقت عزل الشعب السوري الذي يكره طغيان الولايات المتحدة وعنصرية إسرائيل.. لا مكان لنا في هذا العالم.. ولا لغيرنا من الشعوب المكافحة من أجل حريتها بعيداً عن هيمنة الإمبريالية الأمريكية. أما وفق تاريخنا.. ونضال مكونات مجتمعنا من أجل سورية الديمقراطية العلمانية المعادية للإمبريالية الأمريكية والصهيونية والاستعمار الجديد، فنقول للسيد أوباما:  عُد إلى التاريخ يا سيدي، فشعبنا السوري لم يسبح يوماً في الفلك الأمريكي، ولم يثق يوماً بإدارة أمريكية، إنه شعب يكره الغطرسة والإملاءات، وإداراتكم المتعاقبة لم تتعامل مع أزمات المنطقة، منذ أن تكفلت بأمن الكيان الصهيوني وسلامته ونزعته التوسعية، إلاّ وفق سياسة متغطرسة تملي على الآخرين إرادتها.

دع الأمر للسوريين يا سيدي.. فهم يعرفون تماماً كيف يطالبون بحقوقهم السياسية والديمقراطية، فهم يريدون التغيير السلمي الذي يلبي تحول بلادهم إلى دولة ديمقراطية.. عصرية، تتناغم فيها جميع أطيافها السياسية والدينية والإثنية، بعيداً عن نماذجكم (الديمقراطية)، ويدركون أن توافقهم عبر الحوار الوطني الشامل سيلجم العنف.. والسلاح.. والأحقاد، كما يعلمون تماماً ما عليهم فعله من أجل استرجاع جولانهم المحتل من براثن الكيان الإسرائيلي العنصري.

العدد 1104 - 24/4/2024