الرفيق حنين نمر في الاجتماع العالمي الرابع عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية المنعقد في بيروت:

سياستنا في المرحلة الراهنة الدفاع عن الوطن

 

 ألقى الرفيق حنين نمر الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد في الاجتماع العالمي الرابع عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية المنعقد في  بيروت، كلمة هذا نصها:

 

أيها الرفاق الأعزاء ممثلو الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، يسرني أن أنقل إليكم تحيات الشيوعيين السوريين وتمنياتهم أن تتم الاستفادة من هذه الاجتماعات السنوية إلى أقصى حد ممكن. فالمشاكل العالمية تتعقد أكثر فأكثر، والزمن لا يرحم، وعلى الشيوعيين في العالم أن ينهضوا ثانيةً لاستعادة ما فقدوه، وإعادة البناء على أسس متطورة دوماً. وتثبت تجربة العشرين عاماً الماضية وجود إمكانية حقيقية لذلك. فالرأسمالية تتأزم رغم أنها مازالت تملك إمكانات السيطرة، لكن الشعوب تنتفض، إما على أساس المسألة الوطنية أو على الأساس الطبقي الاجتماعي، وهما عنصران يكمل أحدهما الآخر.

ويبدو أن من المفيد لحركتنا، لا تكثيف لقاءاتها فحسب، بل عقد لقاءات على أساس قاري، حيث تكون معاناة الشعوب متقاربة وطبيعة المرحلة التي تمر بها متقاربة أيضاً.

إن مهمات كثيرة تنتظرنا، إذا ما أردنا للحركة الشيوعية العالمية أن تتقدم، ومن أهمها المجال الفكري، الأيديولوجي، التي لا تُركِّز عليها اجتماعاتنا السنوية، بما فيه الكفاية، ويجب ألا نخشى من وجود بعض الاجتهادات والتفسيرات المتنوعة في هذه القضية أو تلك، ما دامت أسس الماركسية اللينينية تجمعنا، وعلى الأخص منهجها الجدلي، الذي هو مفتاح فهم الظواهر الاجتماعية بجوانبها المتعددة.

ما كان يجري في الماضي، في حركتنا، هو التركيز على فهم الظواهر الاجتماعية من زاوية التجربة الأوربية التي لا يمكن الاكتفاء بالقياس عليها لتفسير التباينات المتعددة في البلدان المختلفة. ونرى بذل جهود أكبر من جانبنا، وبالدرجة الأولى شيوعيو الشرق، لتحليل الأوضاع فيها وفق منهجنا الجدلي الماركسي وصياغة مهامهم على ضوئها.

إن الأمر الأساسي هو تحديد طبيعة المرحلة التاريخية التي تمر بها الشعوب والطبقات الاجتماعية المكونة لها، ووضع المهام الخاصة بهذه المرحلة. وهنا قد يكون الخطأ مدمراً. فبعض الماركسيين، وخاصة في الغرب، يعتقدون أن العولمة قد اكتسحت العالم ووحدته، أي جعلته سوقاً واحداً بالفعل، وبالتالي لم يعد ثمة مجال للسيادة الوطنية أو للدول الوطنية المستقلة. وفي ظل هذا الرأي يتم طمس واحدة من أهم الظواهر العالمية المعاصرة وهي السيادة الوطنية والتنوع الثقافي وإسهام الدول النامية في الإرث الحضاري العالمي. وفي ظل فلسفة سطحية من هذا النوع، يُطمس الصراع الطبقي المباشر المستفحل في داخل كل بلد، أو الصراع الطبقي على مستوى عالمي المتمثل في مواجهة الطبقة العاملة والفئات الفقيرة والمتوسطة للهمجية الإمبريالية، وبحركات التحرر الوطني المناهضة لها. وهي الفلسفة التي يتبناها بعض من يسمون أنفسهم بالاشتراكيين في أوربا، ومنهم الحزب الاشتراكي الفرنسي الحاكم.

إن التناقض الأساسي الذي تعيشه الشعوب العربية اليوم، وهي ماتزال في مرحلة التحرر الوطني، هو التناقض بين الهيمنة الإمبريالية على ثروات المنطقة، التي تمارسها بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال إسرائيل وعدوانيتها وسياستها التوسعية والعدوانية، وحكام دول الخليج، وبين حركة التحرر الوطني العربية الطامحة إلى التحرر من الهيمنة الكولونيالية والإفلات من دائرة التخلف والتبعية.

إن قوى هذه الحركة تعيش أزمة حادة. لقد نالت عشرات البلدان في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية استقلالها من الاستعمار الكولونيالي بعد الحرب العالمية الثانية بفضل نضالات شعوبها وبمساعدة الاتحاد السوفييتي وبلدان المنظومة الاشتراكية. وبنت تجارب جديدة وهامة في ميدان التحرر الاقتصادي، وحاول بعضها الخروج من دائرة الطريق الرأسمالي للتطور، لكن معظم هذه التجارب قد فشل أو انحرف عن الطريق، حتى قبل انهيار المنظومة الاشتراكية، وذلك لأسباب عدة، منها أن البعض كان يعتقد أن مجرد استلام السلطة من قبل حزب تقدمي واحد يلغي ضرورة وجود أحزاب أخرى، أو الاستفادة من الإمكانات التي تتيحها الديمقراطية السياسية. وقد أدت وحدانية السلطة والاستئثار بالعمل السياسي إلى عزلة هذا الحزب عن الجماهير والتستر على أخطائه، وبروز فئة مستفيدة من غياب  الرقابة الجماهيرية على السلطة، وتحولت مع الزمن إلى فئة برجوازية بيروقراطية، مالبث قسم منها أن تحالف مع الطبقات الرأسمالية والاقطاعية وتكون منها تحالف جديد أطبق على السلطة، فانفضت عنه الجماهير. وهذه الأنظمة حاولت المزاوجة بين اتجاه الاستقلال الاقتصادي والتنمية التي سارت عليها، وبين الاستناد إلى الفئات البرجوازية الطفيلية الجديدة التي سعت إلى تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد ريعي فقاعي، فأدى إلى الوقوع في ظل التبعية من جديد للنظام الإمبريالي العالمي، وإلى تدهور أحوال الجماهير الشعبية.

وبرزت اتجاهات وأنظمة وطنية أخرى تستخف بالمسألة الوطنية أو القومية بداعي أوَّلية الصراع الطبقي، دون أن يعلموا أن معارك التحرر الوطني ضد الإمبريالية هي مظهر أساسي من مظاهر الصراع الطبقي، لأنها تؤدي إلى حرمان المراكز الإمبريالية الأم، من التراكم الرأسمالي الذي يستمد عناصره من نهب ثروات البلدان المتخلفة، وتكريسها كمستهلك للمواد المصنعة في الغرب.

إن أزمة التحرر الوطني العربية، وإذا أردنا الدقة، أزمة قيادة هذه الحركة، تدور حول مواقف خاطئة أو قاصرة في أهم ثلاث مسائل: وهي المسألة الوطنية، والمسألة الاجتماعية الطبقية، والمسألة الديمقراطية، والعلاقات الجدلية القائمة بينها.

فلا يمكن التصور مثلاً أن يدور النضال من أجل الديمقراطية في بلد محتلة أراضيه من قبل الاستعمار الكولونيالي، فالديمقراطية والاحتلال لايلتقيان أبداً. كما لا يمكن بعد كل التجارب التي مرت بها الشعوب، أن تتكرر تجربة الحزب الواحد، إذ نرى أن التعددية الحزبية لا تتناقض مع الفكر الاشتراكي العلمي، كما أن تعدد الطبقات وعدم تجانسها والتركيب الاجتماعي الهيولي في البلدان النامية يتطلب وجود الأحزاب المتعددة والاستفادة من جميع أشكال النضال الديمقراطي السياسي.

إن جوهر التناقضات المتفجرة في منطقة الشرق الأوسط تدور حول هذه المسائل الثلاث (الوطنية والاجتماعية والديمقراطية) ذات الصلة المباشرة والعميقة بنضال شعوب المنطقة ضد الهيمنة والنهب الإمبريالي، ومن أجل التقدم الاجتماعي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة.

إن أي خلل في التوازن وفي التفاعل الديالكتيكي الجدلي فيما بينها يؤدي إلى أوخم العواقب على نضال هذه الشعوب. وقد أدرك حزبنا هذه المسألة إدراكاً صارماً، وجعل شعار مؤتمره الحادي عشر في العام الماضي 2011 يقوم على الثلاث:

حماية الوطن – مصالح الجماهير – الديمقراطية، وهو يحدد موقفه من الأحداث الجارية في البلاد على هذه الأسس.

إن من أهم المسائل التي أوصلت البلاد إلى الأزمة الدموية التي نعيشها الآن، هي عدم احترام نظام الحكم السائد في البلاد لهذه الأسس، إذ سمح للقوى الرجعية والظلامية المرتبطة بالخارج الاستعماري باستغلال الموقف وتجييش الحركات المطلبية وتحويلها إلى نزاع مسلح حرم البلاد من إمكانية التغيير السلمي وتطبيق الإصلاحات، وأعاق انتقالها إلى نظام ديمقراطي يعزز السياسة الوطنية المعادية للإمبريالية، التي أزعجت قوى الاستعمار الجديد والرجعية.

لقد تم الإخلال بالمسألة الديمقراطية في سورية، وكما أعلن حزبنا منذ بداية الأزمة أن الصيغة السياسية التي تحكم البلاد لم تعد تتجاوب مع متطلبات المسألة الديمقراطية وحرية المواطن وأيضاً مع استحقاقات التنمية واحتياجات التطور، ولا بد من إلغاء المادة الثامنة من الدستور الذي كان معمولاً به، التي تكرس مبدأ وحدانية الحزب الحاكم. وكذلك لابد من إطلاق الحريات الديمقراطية بأشكالها كافة. كما تم الإخلال بالمطالب المعيشية للجماهير ومحاربة الفساد وعدم الانجرار وراء وعود مؤسسات العولمة كالمصرف وصندوق النقد الدوليين اللذين نصحا بالتحول نحو اقتصاد السوق الحر، وإلغاء المكتسبات الاجتماعية للجماهير. إن الخلل الذي لحق بالمسألتين الديمقراطية والاجتماعية قد شكل تربة صالحة لاستغلال الدوائر الامبريالية التي تريد معاقبة سورية على خطها الوطني والقومي المطالب باستعادة الجولان السوري المحتل، وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في بناء دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس. فقد برزت قوى سلفية ووهابية وعشرات التنظيمات التكفيرية التي تريد العودة بالبلاد إلى ما قبل 1400 عام، وسُلحت بأحدث الأسلحة، وأُعلنت سورية ساحة للجهاد، وتدفق عليها إثر ذلك ألوف (الجهاديين) من مختلف أنحاء العالم ليقاتلوا ويحطموا لا النظام السياسي فقط بل الدولة السورية ذاتها وتقسيمها على أساس طائفي. وهم يرتكبون جرائم وحشية بدءاً بالاغتيال وصولاً إلى تقطيع الجثث.

 لقد تطور الصراع في سورية من صراع دموي داخلي إلى معركة ذات بُعد إقليمي دولي أمام التدخلات الاستعمارية المفضوحة، ومحاولتها غزو سورية على الطريقتين العراقية والليبية. لكن صمود سورية وتحالفاتها الإقليمية والدولية لاتزالان عقبة أساسية أمام هذا الغزو المحتمل.

لقد تعرض شعب غزة لعدوان بشع خلال الأسبوع الماضي، ولكن هذا العدوان قوبل بمقاومة بطولية رائعة، وصلت صواريخها إلى قلب معسكرات العدو الإسرائيلي ومطاراته.

وبعد توقيع الاتفاق الأخير يجب على الحركة الوطنية الفلسطينية أن تتنبه جدياً إلى محاولة سرقة نتائج هذه المقاومة وتجييرها لصالح حكام مصر والإخوان المسلمين وتركيا، وعقد اتفاقات جديدة تضمن أمن إسرائيل في غزة وإدارتها من قبل مصر وتكريس ابتعادها عن الضفة الغربية، وبالتالي إحباط مشروع الدولة الوطنية الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة.

 إن سياسة حزبنا في المرحلة الراهنة تقوم على المبادئ التالية:

1. الدفاع عن الوطن ضد أي عدوان خارجي، وضد الرجعية الداخلية، والعمل على وقف النشاط المعادي الذي تمارسه الرجعية التركية الحاكمة على الحدود بين البلدين.

2. وقف العنف والعنف المضاد.

3. الحوار الوطني الشامل بين جميع الفئات، وبضمنها المعارضة الوطنية التي لا تستدعي التدخل الخارجي.

4. الوصول إلى حل سلمي سياسي لجميع مشاكل البلاد.

5. متابعة الإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية.

6. تأمين الإمكانات الضرورية لحل المعضلات الاجتماعية التي نشأت عن استعمال العنف، وخاصة مشكلة المهجرين.

أيها الرفاق!

في الوقت الذي يدعو فيه حزبنا لعزل الإرهابيين والمجموعات المسلحة المرتبطة بالخارج، فإنه يدعو إلى توحيد صفوف القوى الوطنية، وعلى الأخص قوى اليسار. ونرى أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد تفرض على الحزبين الشيوعيين الموجودين في البلاد إيجاد صيغة متقدمة للتعاون والتحالف فيما بينها.

ونتمنى لمؤتمرنا هذا النجاح.

 

حنين نمر

الأمين العام للحزب الشيوعي السوري (الموحد)

العدد 1102 - 03/4/2024