الحياة تستحق منا الصبر

(ضاقت الدنيا عليّ، لم أعد أشعر بأي شيء يجلب السعادة لي، لماذا الحياة وأنا أعيش هكذا وحيدة، ولا أشعر بمحبة أحد لي؟ هل هناك ما ينقصني عن باقي أصدقائي؟ بل في الحقيقة تنقصني كلمة (بابا) لأقولها وأنا لازلت في الخامسة عشر من عمري، أحتاجه ليبقى بجانبي وأنا حزينة، ليدرك ضعفي الذي أشعر به، فيخلصني منه ويضع بدلاً منه الكثير من القوة والحنان لمواجهة العالم لك، أين هو الآن مني؟ لماذا أعيش ولا يوجد من يعوضني عنه؟

هكذا كانت كلمات (سوسن) التي كتبتها ووجدت بعد رحيلها في أحد كتبها المدرسية، حيث وجدت متوفاة وبظروف غامضة، لتنهي مسيرة حياتها بهزيمة قتل النفس..

هي لحظات ضعف وعدم تقبل النتائح ما يجعلها رهينة الانتحار، وهو ما يعاقب عليه القانون في حال المحاولة، وفي الأديان يعتبر قتل النفس حراماً.

لكن السؤال هو: ما الذي يريد أن يصل إليه المنتحر؟ هل يعاقب نفسه أم يعاقب الحياة التي أوصلته الى الأسوأ بنظره؟ أم إنه يعاقب المجتمع القاسي الذي يستهتر بمشاعره ولا يبالي بأفكاره وهواجسه عوضاً عن تلطيف الأحزان وتبسيط المشاكل وخاصة بالنسبة للمراهقين والشباب اليافعين الذين يتميزون بمشاعر حساسة وجياشة، وربما هم لا يحتاجون أكثر من أشخاص يصغون إليهم باهتمام، ودعم نفسي بأن هنالك من يهتم بأمرهم ويسمعهم ويصغي إليهم.. فالرغبة بالانتحار مرض يبدأ بفكرة، ومن ثم تصبح هاجساً يتم التخطيط لتنفيذه، وقد تتكرر المحاولات التي تفشل في أحيان كثيرة، وسوسن لم تجد من يسمعها، ولم تتوقع أنها لو تحدثت الى أحد ما ربما كان قد خفف عنها مصابها ورافقها في أوقاتها الصعبة التي كانت الوحدة هي عنوانها.

هنالك الكثير من الفتيات والفتية ينتظرون من يساعدهم ليتداركوا أخطاءهم التي تقف في وجه نجاحهم وأحلامهم وسعادتهم، كم نحتاج لحملات توعية خاصّة بجيل الشباب في سنّ المراهقة على وجه التحديد كونهم الأكثر تأثراً بما يجري، وهنا يجب أن تبدأ حملات التوعية من المدارس ومراكز الايواء ومعاهد التعليم والمستوصفات والتلفزيون والصحف، مع جلسات استماع خاصة ، فهنالك الكثير من جيلنا من لم يتوقف الألم عند فقدانه أحداً من أهله، بل تجاوز ذلك ليفقد الإحساس بالإنسان داخله، فيشعر بالوحدة والغربة وهو بين أهله وأصحابه، فيفضل الموت على العيش ضمن مجموعة لا يشعر بذاته داخلها..

كم نحتاج لأن نرمم جروحنا معاً لنعود من جديد ونرسم طريق المستقبل بالحلم والفرح والأمل؟ فكلنا نمر بظروف نحتاج فيها لأحد يقف معنا ويساندنا، فالحياة جميلة وتستحق منا الصبر والمحاولة.

العدد 1105 - 01/5/2024