كلمة في «مؤشر الإرهاب العالمي» لعام 2013

وردت في تقرير (مؤشر الإرهاب العالمي) أرقام لافتة للنظر عن ضحايا الإرهاب في عام 2013 وحده، فقد وصل عددها إلى ثمانية عشر ألف قتيل، وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمصابين، 72% منهم سقطوا في خمس دول فقط، أربع منها عربية ومسلمة وهي العراق وسورية وباكستان وأفغانستان، إلى جانب نيجيريا، فيما استأثرت دول عربية وإسلامية بالبقية الباقية من الضحايا مثل مصر ولبنان وليبيا واليمن. أما الجماعات أو المنظمات الإرهابية التي تصدرت مشاهد القتل وأعمال الذبح، فهي أربع أيضاً (داعش، القاعدة، بوكو حرام، وطالبان).

مما لا شك فيه أن الإرهاب مبثوث في مختلف الحضارات والأقوام والأديان، هذا قول صحيح من حيث المبدأ، بيد أن الصحيح كذلك أن العامل الخارجي لعب ويلعب الدور الأكبر في جعل الإرهاب يضرب الدول العربية والإسلامية بنسبة كبيرة تصل إلى 99% منه حسب التقرير، وأن ضحاياه تصل إلى النسبة نفسها.

اللافت للنظر في هذا التقرير أنه ركز على العامل الداخلي، واعتبره العامل الأساسي في انتشار ظاهرة الإرهاب، ولدرجة أنه أغفل تأثير العامل الخارجي وتجاهله كلياً، ما يشير بوضوح إلى أن هذا التقرير مُسيّس وغير موضوعي.

إن الشواهد والأدلة الدامغة تؤكد أن الإرهاب طارئ على المجتمعات العربية، وأن التطرف وافد على الثقافة العربية والتقاليد العربية، وتؤكد أيضاً أن المجموعات الإرهابية المتطرفة لا تمتّ للدين الإسلامي ولا للحضارة العربية بصلة. فالغرب الاستعماري هو الذي أوجدها وغذاها واستخدمها في مراحل مختلفة لحماية مصالحه وتحقيق أهدافه.. ألم يطرح الغرب مسألة (صراع الحضارات والأديان) عبر منظّريه المعروفين وينطلق من هذا الشعار في سياساته.

إذاً، فالغرب هو المسؤول عن ظاهرة الإرهاب، في حين يريد زوراً وبهتاناً أن يُثبت براءته من ذلك، ويلصق هذه التهمة (تهمة الإرهاب) بالعرب والمسلمين. بالطبع هذا لا يمنع من الاعتراف بأن بعض الدول العربية تواطأت مع الغرب في هذه المسألة، خاصة منها السعودية وقطر، عندما مولت وماتزال تموّل الكثير من الجماعات الإرهابية، ومدتها بالسلاح والمال، وذلك لالتقاء مصالحها مع المصالح الغربية، فالغرب يريد نهب النفط والغاز العربيين ودول الخليج تريد الحفاظ على عروشها ومشيخاتها وإماراتها بغض النظر عن مصالح شعوبها وأمتها العربية.

ولم يعد خافياً على أحد أن تنظيم القاعدة بزعامة (بن لادن) أنشأته الولايات المتحدة بالتنسيق مع السعودية لإخراج الجيش السوفييتي من أفغانستان، ثم استخدمته في أماكن أخرى لحماية مصالحها، وداعش والنصرة وما لف لفهما من المنظمات الإرهابية هي أيضاً صناعة أمريكية خالصة، وهذا ما جاء على لسان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وعلى لسان مسؤولين أمريكيين آخرين، إلى جانب أن الحرب التي تشنها أمريكا على داعش باسم ما أسمته التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، من حيث سيرها ونتائجها حتى الآن، تدل على أن أمريكا لا تريد القضاء على داعش، بل ضبط تحركاتها والحد من توسعها، وعدم تخطي الخطوط المرسومة لها والدور الموكل إليها.

وانسجاماً مع الحقيقة لابد من الاعتراف بأن العوامل الداخلية في عدة دول من الدول التي ضربها الإرهاب، ومايزال، تلعب دوراً في إيجاد الإرهاب وتأجيج ناره، مثل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وعدم توفر العدالة، ومسائل الفساد المالي والإداري التي تنعكس سلباً على معيشة المواطن، والبطالة، ثم أصوات فقهاء الظلام الذين يعزفون على وتر المذهبية والطائفية والعرقية، ويقدمون القراءات والتفسيرات الخاطئة لمسائل الدين الإسلامي، وهو معروف بأنه دين التسامح والعيش المشترك والوئام بين الناس، بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية، من أمثال القرضاوي وغيره الذين باعوا أنفسهم للشيطان وأصبحوا عبيداً للمال.

إن كل هذا وذاك يتطلب اجتثاث ظاهرة الفساد، واحترام حقوق الإنسان في الدول والمجتمعات، وتجفيف المنابع الفكرية للإرهاب التي تفجرت في الأراضي والبوادي العربية، واستطاعت جذب فئات من الشباب، خاصة غير المثقف، إلى صفوف المنظمات الإرهابية بعد غسل أدمغتهم وإغرائهم بالمال والوعود المعسولة، وحتى بالجنس، ليقوموا بقتل أهلهم وأشقائهم وأبناء جلدتهم وتدمير أوطانهم وحضارة بلادهم.

باختصار.. نعود للتذكير، بل للتأكيد، أن للإرهاب عوامله الخارجية والداخلية، مع الإشارة إلى أن الدور الأساسي في ظاهرة الإرهاب من حيث إيجاده وتفشي جرائمه يعود بالدرجة الأولى للعامل الخارجي، خاصة في وطننا العربي المستهدف من قبل المستعمرين القدامى والجدد ومن قبل الصهيونية العالمية وكيانها الدخيل (إسرائيل).

العدد 1105 - 01/5/2024