أبرز ما كشفته اجتماعات جنيف 2

نفاق الأمريكيين وغياب المعارضة الوطنية.. ماذا بعد انتهاء الجولة الأولى؟

ما الذي أسفرت عنه محادثات القاعة الواحدة، والوسيط المتنقل؟ وأيّ علاقة بين ما كان يدور في قصر الأمم بجنيف، وبين حمامات الدم التي ترتكبها الجماعات الإرهابية في عديد المناطق السورية؟

على مرأى العالم ومسمعه أجمع، قرر كيري أن يَسم محادثات جنيف 2 بالفشل، وعلى مرأى العالم ومسمعه أجمع قررت الإمبريالية الأمريكية أن تدير ظهرها لمساعي المجتمع الدولي السلمية لإنهاء الأزمة السورية.. فما الذي يمكن أن يقال بعد ذلك عن نتائج الجولة الأولى؟

عندما يصادر الوزير الأمريكي خيارات الشعب السوري في اختيار نظامه السياسي الديمقراطي ورئيسه ونوابه، وعندما يصر على إبعاد المعارضة الوطنية السورية، كرمى لعيون شخصيات تدّعي زوراً تمثيل إرادة السوريين، فهذا يعني أن الأمريكيين لا يريدون حلاً سلمياً للمسألة السورية.. وحين تقرر الإدارة الأمريكية استئناف تقديم الدعم العسكري لقاطعي الرؤوس القادمين من مغاور الظلام، في محاولة فاشلة لترجيح كفة أحد أطراف الأزمة السورية في محادثات جنيف، فهذا يعني أن هذه الإدارة تخلت حتى عن التزامها الشكلي، بما اتفقت عليه مع روسيا والأمم المتحدة، من تقديم كل التسهيلات لإنجاح جنيف ،2 وإيقاف نزيف الدم، ووضع حد لمآسي المواطنين السوريين.

وفي الوقت الذي صرح فيه تشاك هاغال، وزير الدفاع الأمريكي، أمام المشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عقد منذ أيام: (إن إدارة أوباما تعتزم التحول في سياستها الخارجية من التركيز على القوة العسكرية إلى الدبلوماسية).. قال دبلوماسي أمريكي بارز رفض الكشف عن هويته للصحافة: (إن الولايات المتحدة ستواصل، بوتيرة عالية، تسليح المعارضة السورية لإعادة تكوين قوة (ذات مصداقية) تحل محل الجيش الحر)، فأي سخرية هذه؟ وأي آمال سنعلقها على الجهود الأمريكية في الملف السوري؟

الواقعية تتطلب من الحكومة السورية، في الوقت الراهن، وبعد نتائج الجولة الأولى، أمرين اثنين:

أولاً- تحصين البيت من الداخل، عن طريق حشد القوى السياسية الوطنية لدعم مسيرة الحل السلمي، واستمرار العمل على تعميم المصالحات الوطنية في جميع المناطق السورية، جنباً إلى جنب مع متابعة ضرب المجموعات الإرهابية، وبذل الجهود لمعالجة أزمات الجماهير الشعبية المعيشية والاجتماعية، ومكافحة أثرياء الأزمات والفاسدين، وإطلاق سراح معتقلي الرأي والموقوفين من صفوف المعارضين السلميين.

ثانياً- متابعة بذل الجهود لإنجاح المساعي الدولية لإنهاء الأزمة السورية، رغم انكشاف الموقف الأمريكي المنافق، والمناور، فمازال بالإمكان إضافة عناصر جديدة ترجح الحلول السياسية، وتكشف الحجم الحقيقي لطرف معارض، أرادت الإدارة الأمريكية تقديمه ممثلاً وحيداً للمعارضة السورية، بل لإرادة الشعب السوري بأسره، رغم ما أثبتته محادثات الجولة الأولى من عجز هذا الطرف عن اتخاذ القرار وتنفيذه على الأرض.

وأهم هذه العناصر: السعي، بل الإصرار، لدى القوى الدولية الراعية للحل السلمي، لإشراك المعارضة الوطنية في الداخل والخارج في جولات جنيف القادمة، فهذه القوى السياسية التي طرحت مآخذها على الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد، واجهت في الوقت ذاته وأعلنت رفضها التدخل الخارجي، والتصعيد العسكري والتفتيت الطائفي، ووقفت دائماً مع الحل السياسي للأزمة السورية بوصفه مدخلاً لعملية التغيير السلمي باتجاه الديمقراطية والتعددية.

أما العنصر الثاني فهو توسيع الوفد السوري بضم ممثلين عن القوى السياسية الوطنية في البلاد، اعترافاً لهذه القوى بدورها الوطني في الدفاع عن سورية وشعبها ومستقبلها.

ومع تأكيدنا أولية مكافحة الإرهاب في بنود جنيف ،1 لا نرى ما يمنع مناقشة جميع البنود، ما دام شعبنا هو الفيصل فيما سيتم الاتفاق عليه بين جميع الأطراف المشاركة.

أما الذين يستبقون ما ستسفر عنه جولات جنيف ،2 والذين يحددون مسارات سياسية واقتصادية تنال من حقوق جماهير الشعب السوري في اختيار مستقبلها السياسي الديمقراطي.. العلماني.. الوطني.. التقدمي.. المعادي للإمبريالية والصهيونية.. فنقول لهم: شعبنا لن يتراجع، ووطننا لن يتفتت، ومثلما كانت سورية دائماً مقبرة للغزاة، ستكون مقبرة للإرهاب والتكفير والإقصاء!

العدد 1140 - 22/01/2025