فك الارتهان لمال الصحراء وابتزازه…الدور الجديد لمواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت

من يتأمل الفضائيات التي تُفعم سماء العالم العربي؛ الملعون اليوم بثلاث لعنات، تأتيه من ثلاثة كيانات صارت معروفة الهوية والمشروع، وأقصد بذلك، الكيان السعودي الوهابي، الكيان العثماني التركي، والكيان الإسرائيلي الصهيوني، تلك التي تدكّ في مفاصله منذ ست سنوات، سيلفت انتباه المتأمل أكثر من ملمح، تكاد تصبح هذه الملامح ثابتة في كل توجهات هذه الفضائيات، وبضمنها الفضائيات الأجنبية الناطقة باللغة العربية.

ملامح النهايات

أوّل هذه الملامح؛ هي حدة الانقسام بين هذه الفضائيات التي اتخذت محورين، ولا ثالث معتدل بينهما، فهي إما انحازت لكيانات اللعنات السابق الإشارة إليها، أو هي تخندقت تُقاوم لرد ذلك العدوان.

الملمح الثاني؛ تبدو هذه الفضائيات، وقد وصلت إلى مرافئها الأخيرة، وهذا يبدو في حالة الإفلاس التي تكشفها أكثر من إشارة. حتى أن بعض الفضائيات تبدو وكأنها قد أنجزت دورها مبكراً، لاسيما قناتي (العربية) السعودية و(الجزيرة) القطرية، بعد فضائح الحالات التعبوية الكاذبة في بداية (هجوم العدوان الثلاثي) الجديد على العالم العربي. حتى اضطرت السعودية الوهابية لأن تطلق فضائية نسخة عن (العربية)، فقط مع تغيير الاسم، وأقصد قناة (الحدث).

ابتزاز الوهابية

ويأتي إلغاء عقد قناة المقاومة اللبنانية – المنار – مع مؤسسة نايل سات الفضائية، الذي نفّذ منذ مدة قريبة، في إطار محاربة المملكة الوهابية لكل صوت يحمل بعض كرامة، وكانت الوهابية ذاتها، قد أسقطت قبل ذلك بقليل؛ قنوات المنار والميادين، والقنوات السورية المختلفة عن قمري عربسات والنايل سات.

أمام هذا الابتزاز الوهابي، واحتكار الأقمار الاصطناعية ورهنها للمال النفطي، أعتقد أن الإنترنيت، ومواقع التواصل الاجتماعي وحدها الكفيلة بفك هذا الاحتكار البغيض لوسائل الاتصال على اختلافها، رغم كل محاولات الفاشية الوهابية محاربتها هي الأخرى أي محاربتها لوسائل الاتصال الحديثة وشراء ذمم من يقومون على إدارتها، وبمختلف السبل، مع ذلك بقيت عاجزة عن إسكاتها كما فعلت في المحطات الفضائية، ذلك أن مواقع الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي، بقي لديها الكثير من هامش المناورة للنجاة من سيف مال الربع الخالي، وذلك بما وفرته التقنية وتكنولوجيا هذه القنوات من التواصل، بعكس المحطات الفضائية التي بقيت مرهونة بأشخاص محددين وحكومات مستعدين دائماً لبيع ذممهم للكيان السعودي البغيض.

الإعلام البديل

وبالعودة لمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنيت على اختلاف أنواعها، فقد وفرت هذه المواقع الفرصة لمتابعي تلك القنوات، وبدل أن يشاهدوها على الشاشات التلفزيونية يمكن توفيرها على شاشات الكمبيوتر وأجهزة الهواتف الذكية، لولا تقنيات كهذه ألم يكن باستطاعة مال الصحراء أن يُلغي حتى مواقع صحفية مثل جريدة الأخبار – على سبيل المثال – التي استمات بمحاربتها، لأنها بقيت على الدوام تُعري هذا الذي يعيث خراباً في حضارات العالم العربي، وكل من يوجه لوماً بسيطاً لشقيقه الكيان الصهيوني؟!

ثم لنقرّ: إنّ هذه الوسائل الحديثة تكاد تُلغي، أو بالأحرى تعب وتحتوي كل وسائل الاتصال القديمة، فكبريات المؤسسات الصحفية في العالم؛ ألغت الورق وتحولت رقمية، ولن يكون آخرها جريدة (السفير) اللبنانية العريقة، وإن تراجعت عن قرارها لحينٍ من الزمن بإلغاء النسخة الورقية.

فمصير كل الصحف الورقية أن تتحول رقمية، وكذلك الإذاعات والمحطات التلفزيونية التي يُمكن مشاهدتها على مواقعها الإلكترونية. ودعونا نقر أيضاً بأن شبكة الإنترنيت وما قدمته من سهولة الاتصال بالمواقع الإلكترونية وغيرها من توفر المعلومة على تنوعها واختلافها ستكون الأكثر انتشاراً في القريب من الأيام، وها هي منذ مدة، لم تسحب البساط من تحت أقدام وسائل الاتصال التقليدية فقط؛ بل احتوتها كما يجب الاحتواء، ومن ثم هي قادرة على فك كل احتكار سواء كان في ابتزاز وسائل الاتصال المتعارف عليها من صحافة وقنوات تلفزيون وإذاعة، أو حتى في تسويق مبدعين ومفكرين وصحفيين وغيرهم أبعدتهم وسائل الإعلام ومنابره التقليدية التي أبرزت الكثيرين من أشباه المبدعين، وأبعدت المبدعين الحقيقيين، فعرّفتنا تلك الجدران الزرقاء على مئات المبدعين من فنانين تشكيليين وشعراء وأدباء ومخترعين، وغيرهم الكثير، كانت وسائل الإعلام القديمة تُمارس عليهم أقسى أساليب التطفيش والتعتيم، ومن ثم كان على وسائل الاتصال الحديثة من مواقع الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي أن كشفت كل تلك (الجرائم) التي مارستها أو مارسها الأميون القائمون على منابر الإعلام التقليدية.

شبكة الإنترنيت التي ألغت المسافات بين البشر على مدى جغرافيا الكون، وقربت كل المعلومات، وكشفت عن مبدعين حقيقيين، أو مبدعين تمّ تجاهلهم بعد تقاعدهم من وسائل الإعلام القديمة، هي اليوم التي يقع على كاهلها حماية وسائل الإعلام القديمة ذاتها من الابتزاز والاحتكار وغيرها، تلك الجرائم التي تُمارسها أنظمة وحتى مؤسسات أو أفراد.

العدد 1105 - 01/5/2024