تفاوت في الأسعار وسوء في الخدمات.. فهل من تحرك رقابي عليها؟

ماذا عن الدور الإنساني للمشافي الخاصة؟

الأزمة الراهنة التي تمر على سورية أصبحت للأسف بيئة مناسبة لبعض تجار الأزمات، الذين أخذوا يستغلون حاجة المواطنين دون حسيب أو رقيب، وتختلف ألوان الاستغلال وفق مجال (قناّص الفرص) أو(صياد الماء العكر).. فتاجر المازوت استغل حاجة المواطنين وضعف الرقابة، فرفع أسعار المازوت بمبالغ كبيرة وحقق ثروات طائلة، وأصبح يملك السيارات الفارهة وحسابات في البنوك! أما بعض تجار الأقمشة فاحتكروا الأقمشة وخزنوها ورفعوا الأسعار رفعاً جنونياً حتى أصبح سعر البنطال الرجالي نحو 4 آلاف ليرة، أي أكثر من سبعة أضعاف سعره قبل الأزمة، وكذلك بائع المواد الغذائية وبعض تجار الجملة، وخاصة الزيوت والسمون والمعلبات استطاعوا أن (يلعبوا لعبتهم)، مستندين في ذلك على تحرك سعر الصرف وعدم استقراره، وحققوا مكاسب على حساب المستهلك وذوي الدخل المحدود.. كما لا ننسى الغش الكبير الذي تتعرض له الكثير من المواد الغذائية، على رأسها الألبان والأجبان واللحوم، عدا المنظفات أيضاً.. وبالطبع الغش يهدف إلى تحقيق المكاسب غير المشروعة، ويعتبر ممارس هذا الأمر تاجر أزمات، بل متاجراً بصحة المستهلك، وينطبق الأمر على الكثير من المواد والسلع وحتى الخدمات، مثل سائقي التكاسي.

وللأسف امتد الاستغلال أيضاً إلى صحة المواطن، فبعد أن قام بعض الصيادلة برفع أسعار الدواء، كما ذكرنا في عدد سابق، وعملوا على المتاجرة بها، وشطب التسعيرات، أصبحت بعض المشافي الخاصة هي الأخرى تستغل حاجة المواطن، وتقوم برفع الأسعار بشكل غير منطقي.

شكاوى كثيرة ترد على المشافي الخاصة، التي أصبحت أسعارها مثل الأسعار في الفنادق الفارهة، فتكلفة المبيت في فندق من درجة خمس نجوم، ربما تعتبر أقل من تكلفة المبيت في بعض المشافي الخاصة لدينا، للأسف، وغرفة الإنعاش أو العناية المشددة أصبحت للأسف غرفة يحسب لها المريض ألف حساب، خاصة إذا كان من ذوي الدخل المحدود، فالحساب فيها على الدقيقة، والساعة فيها قد تكون بآلاف الليرات، والمريض قد يخرج متعافياً، ولكن قد لا يسلم من صدمة الفاتورة التي سيدفعها عندما يريد الخروج من المشفى.

سلامة المريض في المشافي الخاصة.. هل فقدناها؟

(النور) حصلت على بعض شكاوى المواطنين عن أسعار المشافي الخاصة وخدماتها، ففي إحدى الشكاوى التي ذكرتها إحدى المريضات، أنها أجرت عملية للقلب المفتوح في أحد المشافي الخاصة بدمشق، وكلفتها الكثير من الأموال، ولكن كان تعليقها الأكثر غرابة هو ما أصابها بعد أن خرجت من المشفى، فقد أصيبت بجرثومة (مشفائية)، وهي وفق قول طبيبها المعالج ناتجة عن عدم تعقيم الأدوات قبل إجراء العملية الجراحية، مما سبب لها تجمع مياه في الرئة، وبالتالي أصبحت تعاني ألماً شديداً في صدرها، وبقيت تحت المعالجة لمدة ثلاثة أشهر، عدا التكلفة الكبيرة في المعالجة من هذه الجرثومة.

في حين أكد لنا مرافق أحد المرضى، أنه أخذ والدته إلى مشفى خاص في دمشق، وأجرى لها عملية تنظير لزرع شبكة في أحد الشرايين، إلا أنه فوجئ من سوء الخدمة المقدمة في ذلك المشفى، فقد وجد (البعوض) في غرفة المريضة أو ما يسمى في العامية ( البرغش)، كما أن المرحاض كانت حالته مزرية جداً من حيث النظافة، متسائلاً عن كيفية وجود حشرات كهذه في المشافي، وخاصة أنها تقوم بنقل الجراثيم، وقد تكون خطرة للكثير من المرضى.. كما سأل عن عدم الاعتناء بالنظافة ضمن المشافي الخاصة، ولماذا تأخذ أغلب المشافي الخاصة أسعاراً مرتفعة جداً، بالمقابل لا يكون هناك أي خدمة جيدة.

تفاوت في الأجرة..

أحد المواطنين أوضح أنه أخذ زوجته لإجراء عملية قيصرية في أحد المشافي الخاصة بدمشق، إلا أنه بعد إجراء العملية فوجئ بأن الفاتورة بلغت نحو 40 ألف ليرة، في حين أنه في عام 2012 رزق بولد، بعد عملية قيصرية في مشفى خاص ولم تكلفه سوى نصف المبلغ أي 20 ألف ليرة، مشيراً إلى أن أحد أقاربه أجرى عملية قيصرية لزوجته في مشفى خاص بريف دمشق ولم تكلفه 30 ألف ليرة، أي بفارق 10 آلاف ليرة، وسأل عن أسباب وجود الفارق الكبير في سعر إجراء العملية على الرغم من تشابهها؟

في حين تحدث أحد المواطنين عن قصته فقال: (اضطررت لنقل والدتي إلى أحد المشافي الخاصة بعد إصابتها بأزمة قلبية، وذلك لاتخاذ الإجراءات الإسعافية بسرعة، ولكن فوجئت للأسف أن المشفى الخاص طلب مني سلفة من المال على الحساب كبيرة تقدر بنحو 50 ألف ليرة.. وبالطبع لم أكن أحمل مبلغاً كهذا، وحاولت إقناع المشفى بتقاضي نصف المبلغ مبدئياً، وبعد ذلك يتم إكماله لمعالجة والدتي، إلا أن المشفى رفض ذلك وأكد ضرورة تسديد السلفة كاملة، فاضطررت لأخذها إلى مشفى خاص آخر قبل بسلفة تقدر بـ25 ألف ليرة).

وسأل المواطن: هل أصبحت المشافي مكاناً للتجارة والربح والخسارة؟.. مشيراً إلى أن عمل المشافي بالدرجة الأولى يجب أن يكون إنسانياً ومن ثم مادياً، (نعم من حقهم أن يأخذوا سلفة، ولكن في مثل هذه الحالات الإسعافية يجب أن يرضوا بأي سلفة، لأن هناك العديد من الضمانات التي سيقدمها المريض، لكي يسدد الذي عليه قبل خروجه من المشفى).

نقيب عمال الصحة:  التسعيرة تختلف والصحة تكتفي بالشكاوى!

بالمقابل أكد رئيس نقابة عمال الصحة بدمشق وريفها سامي حامد، في تصريحه لـ(النور)، أن تسعيرة العمليات الجراحية في المشافي الخاصة تختلف من مشفى إلى آخر، متسائلاً عن سبب ذلك الاختلاف.

وأضاف: (وزارة الصحة هي المعنية بمراقبة المشافي ووضع تسعيرة لها من حيث الإقامة والعمليات الجراحية حسب عدد الأسرّة، ولكن ما نجده أن التسعيرة تختلف من مشفى خاص إلى آخر، على الرغم من تشابه العمليات الجراحية).

وأكد أن وزارة الصحة لا تجري جولات على المشافي إلا في حال وردت شكوى تجاه المشفى.

ولفت إلى أن السلفة التي تتقاضاها المشافي الخاصة، تعتبر إجراء قانونياً لضمان حق المشفى، فليس من المنطقي أن يعالج المشفى مريضاً ما، ثم لا يدفع الأجرة، فالمشافي الخاصة تأخذ هذه السلفة ضماناً لأجر العملية أو المعالجة، حتى إنها تأخذ الهوية الشخصية من المريض، إلا أن العديد من المشافي الخاصة لا تتبع هذا الإجراء، في حال أصيب عدد من المواطنين بتفجير إرهابي أو ماشابه من الأحداث التي تمر على سورية، بل يقومون بمعالجة المريض دون أي سلفة.

وأشار إلى أن هناك العديد من الصعوبات تعترض عمل المشافي الخاصة، فقد ارتفعت أسعار معظم الأدوات ومعظم مستلزمات عملها، كالسيرومات والأوكسجين أو الشاش والمعقمات والأدوية وغيرها من الأمور، عدا مصاريف الكهرباء والمازوت، وأجور الأطباء والممرضين والطاقم الطبي وغيرها الكثير، فالظروف هي التي تفرض نفسها على عمل المشافي.

تعليق: الدور الإنساني للمشافي الخاصة أصبح ضرورة

المشافي الخاصة يعول عليها الكثير، وخاصة في ظل الظروف الراهنة، ونأمل من مختلف المشافي الخاصة أن تكون إنسانية بالدرجة الأولى، ونحن لا ننكر حقها في الربح، على أن يكون ربحاً مقبولاً ومنطقياً، بل ومخفضاً في ظل الظروف الراهنة، وخاصة أن معظم المواطنين يعانون صعوبات مادية نتيجة ارتفاع أسعار المعيشة، لذا نأمل من المشافي الخاصة أن تبادر بدورها الإنساني تجاه المواطن والوطن، وأن تعمل على تخفيض هامش ربحها، وأن تقبل بالربح القليل مؤقتاً لحين انتهاء الأزمة، وأن لا تستغل الظروف الراهنة وتقوم برفع أسعارها، كما نأمل من وزارة الصحة أن تسعى جاهدة لأداء دورها الرقابي تجاه المشافي الخاصة، وأن لا تكتفي بمجرد الشكاوى، وأن تراقب الخدمات المقدمة في المشافي الخاصة، إضافة إلى الأسعار.

العدد 1107 - 22/5/2024