الفيتو الروسي ــ الصيني.. وضرورات اتخاذ العبر
مرة أخرى تتقدم إحدى الدول الغربية، مدعومة من حلفائها، بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي، نهاية الأسبوع الماضي (23 أيار) حول الأزمة السورية، يكشف مدى الانحياز الغربي في التعاطي مع هذه الأزمة، وإن اختلفت صيغه وذرائعه، ويظهر مرة أخرى أيضاً الموقف المبدئي الروسي- الصيني في مواجهة التعامي المقصود عن حقيقة التفاعلات الجارية في سورية، كذلك سبل الحل الوحيد الممكن اعتماده دولياً.
للمرة الرابعة منذ بدء الأزمة السورية في آذار عام 2011 تسعى الدول الغربية إلى تمرير قرار دولي صادر عن مجلس الأمن الدولي، يعاقب الدولة السورية والشعب السوري، ويتجاهل طبيعة التطورات في سورية وآفاقها.. ويواجه هذا المسعى فيتو مزدوج روسي- صيني، يفشل هذا المخطط، ويحبط تمرير العدوان الغربي – الأطلسي عليها، في محاولة من هذه الدول لتكرار السيناريو الليبي وتداعياته الكارثية.
وخلافاً لسابقاته من مشاريع القرارات الفاشلة، تذرعت فرنسا في طرح مشروع القرار، بأنه موجه ضد نظام استبدادي، وضد تنظيمات جهادية – تكفيرية في آن معاً، وتضمين المشروع إدراجه في سياق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الملزم لأعضائه في حال اعتماده.
وإن كان الهدف المعلن تحويل الملف السوري برمته إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتعاطي معه بوصفه قضية قانونية بحتة، لكنها مسيسة غربياً، وإن إجازته ستمثل خطوة مفصلية في التعامل مع سورية من موقع التهديد والوعيد وشن حرب مقوننة ومشرعنة عليها.. أما الأهداف غير المعلنة فتتلخص في الرد على تقدم الجيش السوري، والتشويش على الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، كذلك إحراج روسيا والصين سياسياً.. وقد وصفه المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بأنه (محاولة لتأجيج العواطف السياسية، والتحضير للتدخل العسكري ضد سورية.. الغرب يطيل أمد الأزمة السورية عن قصد بهدف إسقاط النظام بالقوة).
وإذ اختزل تشوركين الأهداف المعلنة وغير المعلنة لمشروع القرار، فإنه أكد تصميم روسيا والصين على الانتهاء من زمن البلطجة الدولية تحت أية مسميات كانت.
ورغم إدراج العديد من العصابات التكفيرية على لائحة الإرهاب الدولي (النصرة، داعش.. إلخ) نظرياً، فإن تقدم هذه الدول المفترض أنها حريصة على الحل السياسي، كما أعلنت ذلك مراراً، بمشروع قرار ينقل التعامل مع ملف المجموعات الإرهابية نحو إجراء عملي من شأنه التضييق على هؤلاء الإرهابيين، وقطع الإمدادات والمساعدات الإقليمية والدولية، تنفيذاً لوثيقة جنيف (30 حزيران 2012) على الأقل.
أما الإصرار على التعامل مع ملف الأزمة السورية وفق النهج الغربي المعتمد منذ عام 2011 فدونه العديد من المعوقات السورية المتلخصة في إنجازات متتابعة يقر بها الجميع، وفي مقدمتهم الإرهابيون وحلفائهم.. كذلك المتغيرات الدولية والإيجابية المتواصلة، وعنوانها الانتهاء من مرحلة البلطجة إلى مرحلة التعددية القطبية، ونحو عالم أكثر توازناً.. وهذا ما أكدته قمة شانغهاي الصينية – الروسية قبل أيام قليلة، وإعلان الرئيسين الروسي والصيني عن أفول مرحلة التفرد والإملاءات، وتكرس بدء عهد (التوازن) في حل الإشكاليات التي يعانيها عالمنا.
في الوقت الذي يؤكد فيه الفيتو المزدوج للمرة الرابعة، إصرار الدولتين وما تمثلانه على رفض الحل العسكري والتدخل الخارجي في شؤون دولة ذات سيادة، وتالياً ضرورة العودة إلى الحل السياسي واستحقاقاته سورياً وإقليمياً ودولياً.
وتؤكد التطورات الميدانية الجارية في سورية حجم التقدم الكبير الذي تنجزه الدولة السورية، على الصعيد العسكري، والمصالحات المناطقية، واستمرار التمسك بالحوار والحل السياسي أيضاً.
وهذا ما يفترض بالدول الغربية خصوصاً، ووكلائها وأدواتها في المنطقة عموماً، أن تدرك مغزاه وأبعاده، وأن تقر فعلياً بعقم إمكانية تكرار السيناريو الليبي بأشكال وصيغ أخرى.. كما يفترض بالعصابات التكفيرية وما يسمى بـ(المعارضات) المرتبطة أن تستخلص العبر، بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء الأزمة، وأن لا خيار سوى الحل السياسي، وأن إطالة عمر الأزمة يزيد من مآسي السوريين أولاً، ومن تبعات التخريب والتدمير ثانياً.
وفي الوقت ذاته يطرح الفيتو المزدوج ضرورة المراجعة الغربية لكيفية التعامل مع الملف السوري وتداعياته، وفي الصدارة مآزق أصحاب الازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين، في حل الإشكاليات التي يواجهها عالمنا، والنجاح المتواصل لأصحاب التوازن، واحترام الشرعية الدولية وأنظمتها ولوائحها، وبضمنها رفض التدخل في شؤون دولة مستقلة ذات سيادة.
إن وقوف الأصدقاء إلى جانب سورية في أزمتها، يتطلب من جانب آخر تسريع عملية الحوار الوطني، واستمرار المصالحات الجارية في عديد المناطق الساخنة، والانفتاح أكثر فأكثر على المعارضة الوطنية، لضمان توحيد جميع السوريين في مواجهة أي تدخل خارجي في الشأن السوري.