كي لا ننسى: محمد محروس شيخ الشباب «أبو عبدو» (1931- 2010)
ولد الرفيق محمد محروس شيخ الشباب، في المزة – دمشق 1931 وقتذاك كانت المزة قرية ليس فيها ملكيات أراضي كبيرة، وكثير من أهلها يعملون في حرفة الحبال. كان والده يبيع الحبال.. درس محروس حتى الصف السابع في مدرسة التجهيز الثانية بالحلبوني.. ترك الدراسة، وتقدم للتطوع في جيش الإنقاذ، فلم يُقبل لصغر سنه.. ذهب عن طريق الأردن إلى فلسطين ليلتحق بجيش الجهاد المقدس الذي كان يقوده عبد القادر الحسيني. اشترك في القتال ضد الصهاينة في أكثر من موقع، وفي 12 كانون الأول 1948 عاد إلى دمشق، وعمل في مهنة القباني بسوق البزورية والهال.
تعرف على الحزب عام 1954من خلال جار له اسمه خالد القوادري، فبعد سقوط الديكتاتورية العسكرية بدأ التحضير لانتخابات أعضاء البرلمان.. كان انحياز صديقه إلى جانب مرشحي الحزب الشيوعي، وهم الرفاق خالد بكداش ونصوح الغفري وجورج عويشق، وكان انحياز محروس لمرشح الإخوان محمد المبارك قبل الانتخابات.
دعي محروس من قبل صديق له من المزة لحضور حفل انتخابي لمرشح الحزب القومي، فذهب وأخذ معه صديقه القوادري.. كان كلام المرشح القومي هجوماً على الأحزاب وبشكل خاص على الحزب الشيوعي، وحين همّ القوادري بالرد، سارع محروس وسبقه في الكلام، لأن القوادري ليس معروفاً من قبل الجميع، وقد تبنى محروس رأي صديقه، وقال لهم: إن هجومكم على الشيوعيين فيه مغالطات وفيه تجنّي على الشيوعيين، فلو كانت الشيوعية تضعف الوطنية، كما تقولون، لما ظهرت حركة المقاومة (الأنصار) التي قاتلت المحتلين الألمان في روسيا وحققت انتصارات باهرة، ولو كان الحزب الشيوعي ظالماً للشعب لرحّب الروس بالمحتلين، واعتبروا هتلر منقذاً لهم، كانت معركة (ستالينغراد) رائعة بينت تلاحم الشعب مع الحكم، كذلك الحال في فيتنام التي مرغ فيها الشيوعيون أنف المستعمرين الفرنسيين في الوحل.
أما قولكم إن الشيوعيين ضد الدين، فكذّبتها مقالات في مجلة (المصور) المصرية، في مقابلات مع الحجاج الروس، وهم في طريقهم إلى الحجاز.
وبعد ذلك عمل مع المرشح الشيوعي.. فكان ينقل الناخبين على دراجته، وقد فاز خالد بكداش، وبذلك دخل الاطمئنان إلى قلبه، لأن وجود نواب شيوعيين في المجلس سيحول دون نجاح المؤامرات الاستعمارية على وطنه.
وبعد فترة دعاه صديقه حسن كمال أن يحضر معه لقاء، كان الموضوع حول برنامج الحزب الشيوعي والأهداف التي يناضل من أجلها.. كان المتحدث يوسف أبيض، وقتذاك انتسب إلى الحزب وظل شيوعياً حتى وفاته. كان من مؤسسي منظمة المزة، ثم أصبح سكرتيراً لها، أول عمل نقابي كان انتسابه إلى نقابة عمال مستخدمي المؤسسات التجارية في دمشق.. انتخب أمين سر للنقابة.. وبقي فيها حتى حملة الاعتقالات الواسعة ،1959 فاعتُقل وأُدخل سجن المزة العسكري.
يذكر عبد الكريم أبا زيد تلك الفترة ويقول: أثناء وجودنا في سجن المزة تعرفت أمي على أم محروس مصادفة، لأن بيت محروس قريب من السجن. قالت أم محروس: إن (أبو محروس) حلف عليّ بالطلاق إذا زرته في السجن، وبكل بساطة تتابع أم محروس: أنت ألم يحلف عليك زوجك بالطلاق، لأنك زرت عبد الكريم؟!
** لا لم يحلف..
* لماذا؟ هل هو شيوعي؟
** لا لأنه ميت!
اعتقل مرة ثانية عام .1963.
كان رئيساً لجمعية عمال المكاسر أوائل السبعينيات.. وأمين سر لاتحاد الجمعيات الحرفية..
مثّل الحزب في مجلس محافظة دمشق للإدارة المحلية في دورتين..
ظل رئيس لجنة محلية في حي المزة لمدة عشرين سنة، كان دائماً يسعى لسعادة الآخرين ويجمع أكثر الأصوات في الانتخابات، لأنه كان محبوباً من قبل أهل الحي من الرجال والنساء.
ناضل دوماً من أجل تحقيق مطالبهم في الحي ومجلس محافظة دمشق.
ومثّل الحزب في شعبة الأمويين في الجبهة الوطنية التقدمية، في الثمانينيات.
عمل متفرغاً في الحزب أكثر من عشرين عاماً.
عندما كانت تصدر جريدة (نضال الشعب) أو مجلة (دراسات اشتراكية) كان يعمل على توصيلها إلى كل محافظات القطر..
عندئذ كان يعود مسروراً لأنه استطاع أن يوصلها إلى كل رفاق الحزب.
كما تفرغ في جريدة (النور) لعدة سنوات قبل تقاعده.
ظل ملتزماً ومواظباً على حضور الاجتماعات الحزبية حتى وفاته.
في لقاء معه نُشر بصحيفة (قاسيون) أجراه محمد علي طه عام 2007 في موضوع (كيف أصبحت شيوعياً):
يا كلّ الشيوعيين في جميع التنظيمات وخارجها.. عندما كنا في حزب واحد، كنا نتمتع باحترام ودعم أوسع من جماهير شعبنا.. وعندما بدأت الانقسامات المتوالية، ابتعد آلاف الرفاق عن التنظيم، وتبدلت نظرة جماهير الشعب، خسرنا احترامها وتأييدها، وهذا الأمر لا نرضى أن يستمر.. لذلك لابد أن نعمل جاهدين وجادين من أجل ثقة الجماهير، وذلك بالنضال بينها ومعها في سبيل أهدافها المشروعة، وأن نركز على نقاط الاتفاق بيننا وهي كفيلة بإعادة سمعة حزبنا الغالية ليقوم بدوره في خدمة الشعب والوطن.
وقد شارك في تشييعه يوم 9/1/2010 الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب، والرفيق رضوان مرتيني رئيس هيئة رئاسة اللجنة المركزية، وعدد من أعضاء المكتب السياسي، والرفاق في اللجان المنطقية، ومنظمات الحزب في دمشق وريف دمشق والقنيطرة، ورئيس تحرير جريدة (النور) الرفيق يعقوب كرّو، وعدد من العاملين فيها، وجمهور غفير من الأهل والأصدقاء، وحضر العزاء الرفيق يوسف الفيصل، رئيس الحزب الشيوعي السوري الموحد.