المعلّم لـ«الأخبار» اللبنانية: سنحصل على «إس 300» قريباً

المعلم، الخارج من جراحة في القلب، استعاد حيويته وشبابه وابتسامته وسجائره. رؤيته بانورامية، واقعية بلا ظلال أو رتوش، لا مكان فيها للغضب أو الانفعال أو التسرّع أو الوهن: تحدّد الأولويات بدقة، وتدير لعبة الشطرنج الدولية والإقليمية، بمهارة؛ تخسر هنا، لتربح هناك، وتسير، بحذر وثقة، نحو الهدف. اللعبة الخطرة التي بدأها الرئيس حافظ الأسد، العام ،1970 لا تزال مستمرة، ولا يزال اللاعب السوري في موقعه… ذلك هو الانطباع الذي يخرج به المرء من لقاء مفتوح مع الوزير الذي خاض غمار الأزمة السورية، بكل مراحلها الصعبة والأكثر صعوبة، بهدوء شديد وثقة.

سألنا الوزير المعلم عن علاقته بنظيره الروسي. علاقتهما تتجاوز السياسي والمهني إلى الشخصي. صديقان بمعنى الكلمة، يتصارحان ويتفاهمان ويتبادلان الانتقادات الودية. كاشف المعلم صديقه، في لقاء أخير، بانزعاجه من استخدام الدبلوماسية الروسية، مصطلح (شركاؤنا الغربيون)، قال له: (هؤلاء ليسوا شركاء روسيا، بل هم أعداؤها). يعكس ذلك نبض العلاقة التاريخية التي تجمع دمشق وموسكو. ولتكن هذه محطتنا الأولى.

العلاقات السورية الروسية، كما أظهرتها سنوات الأزمة والحرب، ممتازة ومميّزة. تختلف دمشق عن سواها من أصدقاء روسيا، بأنها لا تستخدم هذه العلاقة لابتزاز الغرب؛ إنها تميل، وجدانياً وحضارياً، إلى الروس؛ وهؤلاء ينظرون إلى سورية لا كمجرد حليف، بل كعضو في العائلة. روسيا مدينة لسورية بإيمانها الأرثوذكسي، أي بأحد العناصر الأساسية في هويتها القومية. وهي مدينة لها في الحاضر، كما إيران مدينة، بما أحرزتاه من حضور إقليمي ودولي، لم يكن ممكناً، في المدى المنظور، لولا الصمود السوري.

تقف الدبلوماسية السورية على أرض صلبة تتمثل في صمود الجمهورية، وقوة جيشها وتماسكه وثقتها به، لكن من دون غرور أو مغامرة. أولويتها الراهنة هي إدارة جميع الملفات، بما يضمن الصمود، ويحمي سورية من عدوان فوق طاقتها، ويؤمن لجيشها السلاح.

أوضحت دمشق للحليفين، الروسي والإيراني، موقفها من التحالف الأمريكي ضد (داعش)؛ يضعنا هذا التحالف أمام خيارين: الرفض من دون القدرة على ترجمته عسكرياً بنجاح يمنح المتطرفين في مؤسسة الحكم الأمريكية، وحلفاء واشنطن الإقليميين، الذريعة المناسبة لشن حرب أمريكية أطلسية على سورية، (ولن نمنحهم هذه الذريعة). الخيار الثاني هو القبول السياسي، وهذا يتعارض مع استراتيجيتنا السيادية والسياسية. وهكذا ذهبنا إلى الخيار الثالث. وهو (القبول الواقعي)؛ لا مغامرة في مواجهة خاسرة ولا اعتراف سياسي؛ (لا يوجد تنسيق بيننا وبين الأمريكيين، ولا صفقة؛ هم أعلمونا، مباشرة، عبر مندوبنا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، وعبر بغداد وموسكو، أن ضربات التحالف موجهة، حصرياً، ضد داعش، وأنها لن تمس الجيش السوري. هل نثق بهذا التعهّد؟ مؤقتاً، ندرك أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لأسباب داخلية، يريد تجنّب الحرب مع سورية، مكتفياً بالتدخل الجوي ضد داعش. ونحن نفيد من ذلك. لكن لا نعرف كيف سيتصرف أوباما، تحت الضغوط المتصاعدة، والتي ستكون أكثر تأثيراً إذا ما تمكن الجمهوريون من تحقيق أغلبية في الانتخابات الأمريكية النصفية. ولذلك، علينا أن نستعدّ. هذا ما أوضحناه بصراحة للروس، وطلبنا منهم استغلال الوقت وتزويدنا بأسلحة نوعية.

* إس (300)؟

** نعم. وسواها من الأسلحة النوعية التي تمكن الجيش السوري من مواجهة التحديات المقبلة.

*  هل حصلتم على (إس 300)؟

** لا. ولكن سنحصل عليها وعلى أسلحة نوعية أخرى في مدى معقول. شركات السلاح الروسية تعمل وفق بيروقراطية بطيئة، لكن المشكلة الرئيسية في طريقها إلى حل سريع، أعني موافقة الكرملين السياسية. وهي قاب قوسين أو أدنى.

* هل وافق الروس على قرض المليار دولار؟

** لم نطلب مثل هذا القرض. لا أعرف مصدر الخبر، ولكنه غير صحيح. لدينا تسهيلات ائتمانية كافية من الحليف الإيراني. أما ما طلبناه، ووجد تفهماً وتجاوباً من الروس أهم من القرض؛ سلسلة من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية التي ستساهم في دعم الاقتصاد السوري، وتعزيز الصمود، وإعادة الإعمار.

لا خلاف مع موسكو وطهران، بل تقدير موقف مختلف لمواجهة التحدي المشترك، ونحن سعداء بموقفهما من التحالف الأمريكي.

* رغم الخلاف؟

** لا يوجد خلاف، بل تقدير موقف مختلف لمواجهة التحدي المشترك. فنحن الذين ندير الحرب، ومواقفنا محكومة، بدقة، بموازين القوى الميدانية؛ بينما يستطيع الروس والإيرانيون اتخاذ مواقف صارمة من التحالف الأمريكي. ونحن سعداء بهذه المواقف، ونريد استمرارها، لأنها تعرقل تنامي التوجهات العدوانية لدى الغرب.

* هل تتوقعون عدواناً تركياً؟ هل ستجابهونه؟

** قرارنا الاستراتيجي هو مواجهة أي عدوان تركي عسكرياً؛ ونأمل أن يكون لدينا، في أسرع وقت ممكن، القدرات التسليحية النوعية التي تضمن لنا إفشال العدوان. ولكننا لا نرى إمكانية لقيام تركيا بالعدوان على سورية في المدى المنظور. الشروط التركية للتدخل في سورية لا تزال مرفوضة من قبل واشنطن، كذلك، لا يحوز مثل هذا التدخل على رضا السعودية، المنافس الرئيسي لتركيا في المعسكر الآخر. هذا المعسكر يعيش تناقضات، نفيد منها. ثم أن وضع تركيا الداخلي هشٌ للغاية في مواجهة تمرد كردي محتمل بقوة. صمود مواطنينا الأكراد في عين العرب أفشل السياسة الأردوغانية، ومنح للرئيس أوباما، في المقابل، معنى لحملته الجوية. الموقف التركي من العدوان الداعشي على عين العرب جيّش الكرد في كل مكان ضد الحكومة التركية؛ ويتجه الأكراد ليس داخل تركيا فقط حيث يعدون نحو 15 مليوناً نحو الالتفاف حول قيادة عبدالله أوجلان، كذلك أكراد العراق؛ ففي كل يوم إضافي من صمود عين العرب، يخسر مسعود البرزاني وحليفه أردوغان.

* ولكن أين دمشق من معركة عين العرب؟

** عين العرب سورية، ومواطنوها سوريون. ونحن كنا ولا نزال نزوّدها بالمؤن والسلاح والذخائر، وسنستمر. وقبل أن يبدأ الأمريكيون طلعاتهم الجوية، كان سلاح الجو السوري يقوم، يومياً، بضرب تجمعات (داعش) حول عين العرب، لكنه اضطر للتوقف لأنه لا يوجد تنسيق ميداني مع الأمريكيين.

* صالح مسلم، زعيم الحزب الديموقراطي الكردي السوري، انفصالي؟

** لا. ليس انفصالياً. الحزب أقام إدارة ذاتية لإدارة المناطق ذات الأغلبية الكردية تحت ضغط الحرب. وكان حريصاً على ألا تكون هذه الإدارة كردية، بل تشمل العشائر العربية في تلك المناطق. لا يمكن انفصال مناطق الوجود الكردي السوري، الحسكة ومنبج وعين العرب، لأنها غير مترابطة جغرافيا، وتضم مكوّنات أخرى، ثم أننا لن نسمح ولن نعترف بأي انفصال في سورية؛ فسورية فسيفسائية التركيب الإتني والديني والجهوي، بحيث أن القبول بأي انفصال، سيفرط الدولة. هذا لن يحدث أبداً؛ بديله هو ما كانته هذه الدولة دائما، من حيث أنها دولة وطنية مدنية تعددية المكوّنات والثقافات في إطار الكل الواحد، ويمكن تطويرها ديموقراطياً في إطار موقعها ودورها الإقليمي وتحالفاتها.. إلخ.

 

التحالف مع إيران

* في سياق التحالفات، يبرز التحالف السوري الإيراني عميقاً وملتبساً في آن؟

** أي مساس بهذا التحالف في إيران غير مقبول من قبل الإمام الخامنئي ونهجه. العراقيل الممكنة هي التي تأتي من جهة النهج الليبرالي. وفي كل مرة يحصل فيها ذلك، يحسمها الإمام ومجلس الشعب والحرس الثوري لصالح سورية. زوّدتنا إيران، وتزوّدنا، باحتياجاتنا من السلاح، خصوصا من الذخائر المتوفرة من صناعة إيرانية؛ كذلك، تدعمنا طهران سياسياً واقتصادياً ومالياً. ونحن ممتنّون لهذا الدعم، ونثق باستمراره، واستمرار تفهم القيادة الإيرانية العليا لأهمية التحالف مع سورية. أحيانا لا يقدّر بعض السياسيين الإيرانيين، ذلك، حق قدره. وفي مناقشة لي مع وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، قلت له بوضوح: إن صمود سورية هو الذي يمكّنك من التفاوض من موقع قوي مع الغرب حول الملف النووي.

* أفهم، إذاً، أن المحافظين المتدينين هم أقرب الحلفاء لسورية العلمانية؟

** بالطبع، لأنهم يدركون المصالح الاستراتيجية الإيرانية، وهم متحررون من الميول نحو الغرب.

* ولكن، هل ثمة صعوبات مع هذا الفريق؟ هل ضغطوا عليكم بشأن تغيير الموقف السوري من (حماس)؟

** لا. لم يحدث ذلك أبداً. موقفنا من (حماس) و(الأخوان)، واضح، ويعرفه حلفاؤنا جيداً. وهو ليس موضع نقاش.

 

السعودية ومصر

* ألا يفتح هذا الموقف المشترك مع مصر والسعودية الباب أمام مصالحة؟

** بالنسبة لمصر، نحن نؤيد الدولة والقوات المسلحة، بلا أي التباس، في مواجهة العنف والإرهاب والتطرف الديني. نحن ومصر، على المستوى الاستراتيجي، في الخندق نفسه؛ لكن موقف القيادة المصرية من سورية، على رغم إيجابيته، لم يصل بعد إلى مستوى التحدي المشترك. ونأمل أن يحدث ذلك في وقت قريب. نحن نتفهم الضغوط التي تواجهها القاهرة، وخصوصاً في المجال الاقتصادي، وحاجتها إلى الدعم السعودي، لكننا نريد لمصر أن تستعيد كامل دورها العربي؛ يبدأ ذلك في سورية.

* والسعودية، هل هناك أفق للمصالحة؟

** لا. موقف السعودية من (الإخوان) يأتي في سياق صراعها مع قطر وتركيا، ولكنها دعمت ولا تزال تدعم الجماعات المسلحة الإرهابية، وتجيّش العداء ضد سورية، وضد الرئيس بشار الأسد. وهذه السياسة المغامرة، ستنعكس، في النهاية، على السعودية.

* نفهم، إذاً، أنه إذا مضت الأمور نحو تفاهم إيراني غربي سعودي، وتفاهم سوري سعودي حول لبنان والعراق قد يتم التوصل إلى مصالحة؟

** لن ندخر أي فرصة ممكنة لوقف الحرب على سورية وتأمين سلامة السوريين. لكن هؤلاء الذين يدفعون ضريبة الدم، هم الذين يقررون في النهاية، السياسة السورية؛ هذا واقع سياسي أنتجته الحرب؛ لم يعد ممكناً إدارة السياسة السورية من دون رضا الرأي العام الوطني. السوريون لهم موقف من السعودية بسبب تمويلها ودعمها للعدوان على بلدهم، كذلك الأمر بالنسبة لقطر.

* كانت هناك محاولة قَطرية للمصالحة؟

** نعم. ولكننا رفضناها. الشعب السوري لا يقبل هذه المصالحة.. كما أنه على قطر إذا أرادت المصالحة أن تبادر إلى وقف الدعم عن الإرهابيين، ووقف الحملة على سورية.

العدد 1107 - 22/5/2024