إعادة الإعمار واستراتيجية التنمية الاقتصادية حتى 2025 (1من2)

قال السيد رئيس الجمهورية إن فتح جبهة الجولان جديّ، وستتولى ذلك مقاومة مدروسة ومعَدّ لها جيداً ومتواصلة ومؤثرة وتحرص دائماً على امتلاك زمام المبادرة، وترسم ميدان الصراع على نحو يخدم كفاحها كما هو شأن المقاومة التي خاضها حزب الله في جنوب لبنان. وأنه منح حق استخراج نفط الساحل السوري لشركة روسية. وكذلك بالنسبة لإعادة الإعمار، إن الشركات الصينية جاهزة للقيام بدورها في هذا المجال وأنهم تفاهموا معهم على كل شيء بهذا الخصوص. وذكر الرئيس الأسد أن سورية اضطرت إلى السير في السياسات الاقتصادية الليبرالية كتنازل أمام الضغوط الهائلة التي مورست عليها، والتي أضرت جداً بسورية وخلقت بؤر فقر عديدة في الأرياف سرعان ما أصبحت حواضن للتطرف والجريمة. وقال إنه كبح هذا الاتجاه، وأكد دور القطاع العام في صمود الدولة وتماسكها، كاشفاً عن أن المجموعات المسلحة كانت لهذا السبب تستهدف معامل القطاع العام بالنهب والتدمير على نحو منهجي وكثيف. وتحدث عن دور (عراب الخصخصة) الشهير في سورية (عبد الله الدردري)، الذي قدم عرضاً بقيمة 21 مليار دولار لإعادة إعمار سورية من المصرف الدولي، وقد رفض هذا العرض. وأن الدول الغربية تتسابق لتقديم عروض مغرية تحت الطاولة، تسعى من خلالها إلى ضمان حصص شركاتها في مقاولات إعادة الإعمار واستخراج النفط والغاز اللذين اكتشفت احتياطات هائلة منهما في الساحل السوري. (المصدر:اتحاد الشيوعيين الأردنيين – في الطريق إلى دمشق – جريدة الأخبار – بيروت تاريخ 10/6/2013 صفحة 8/9).

 إن التحضير والإعداد المدروس لفتح جبهة الجولان، أمر استراتيجي رشيد، له متطلبات اقتصادية واجتماعية عديدة، من العمل على توفير فرص عمل لجميع القادرين على العمل، ورفع الأجور واعتماد التنمية المستقلة وتعميم الضمان الصحي والتقاعد لجميع المشتغلين، والتخلي عن السير في السياسات الاقتصادية الليبرالية بشكل نهائي، والعودة إلى تبني الاشتراكية العربية. إن التوجه شرقاً لجعل مركز التعاون والتبادل التجاري مع روسيا والصين وغيرها أمر رشيد وملح جداً على أسس المصلحة المشتركة. وتخفيض التبادل التجاري مع الدول المعادية للأمة العربية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، خاصة فرنسا وبريطانيا، للتخلص من تقسيم العمل الدولي المجحف بحق الدول النامية ومنها الوطن العربي، وإرساء تقسيم عمل دولي جديد عادل يصون حقوقنا. ليس ثمة جدوى من محاولة إرضاء العدو الإستراتيجي للأمة العربية الغرب الاستعماري. لا خيار للأمة العربية إلا في مواجهته بكل الوسائل المتاحة. إن بناء الاقتصاد المتين والعمل على توفير الحياة الكريمة لعامة الشعب وإرساء دولة القانون شرط لازم وضروري لتوفير الشروط الموضوعية للانتصار في المواجهة مع العدو. إن جبهة الجولان هي إحدى الجبهات العديدة، التي ينبغي أن نقاتل فيها (مشروع إسرائيل)، الذي أنشأه العدو الغربي لاستنزاف الأمة العربية، إلى جانب الجبهات الاقتصادية والثقافية بوقف فرض الهيمنة اللغوية والثقافية للغات المستعمرين. (لمزيد من التفصيل أنظر : اقتصاديات تعلم اللغات – مجلة المعرفة – دمشق – العدد 600 شوال 1434 ه – أيلول 2013). فهل من المعقول أن يظل تعلم اللغة الفرنسية إلزامياً، وفرنسا الدولة الاستعمارية التقليدية ومن أكثر المعادين للعرب، وهي التي تظل تهدد باجتياح القطر العربي السوري وتحرض الولايات المتحدة وغيرها من الدول الاستعمارية لمشاركتها في هذا الغزو؟! يقضي الرشاد إتاحة الفرصة لتعلم جميع لغات العالم، خاصة لغات الدول الصديقة مثل الصين وروسيا والهند وإيران وكوريا وغيرها ومنع تعليم اللغة الفرنسية نهائياً. هل من المعقول أن يظل عدد الذين يتقنون اللغات الصينية والهندية الذين يشكلون 38% من سكان المعمورة بالعشرات، في حين يبلغ عدد الذين يتعلمون لغة العدو الفرنسي سنوياً أكثر من مليونين في المدارس ويدرسون الأدب الفرنسي بالآلاف؟! كم عدد الذين يتعلمون اللغة اليابانية التي تبوأت المركز الثاني بعد الولايات المتحدة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، لفترة طويلة، ثم تجاوزتها الصين منذ فترة قصيرة؟ زرع المستعمرون الفساد في بنية الاقتصاد أثناء احتلالهم للدول النامية ومنها الوطن العربي، إحدى وسائلهم لنهب الموارد البشرية والاقتصادية للدول النامية بعد الاستقلال الشكلي والانتقال من الاستعمار التقليدي إلى الاستعمار الحديث. يحصل رموز الفساد على قرابة ربع الناتج المحلي الإجمالي وتحصل الدول الاستعمارية على أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية ومنها الوطن العربي، فيبقى نحو خمس الناتج المحلي الإجمالي لشعوب الدول النامية فقط، ليستوطن الفقر والجوع والمرض فيها. الحرب على الفساد إحدى جبهات القتال التي ينبغي أن ننتصر فيها ونعطيها الأهمية الفائقة التي لا تقبل التسويف أو التأجيل.  أرسل العدو الغربي الاستعماري (عرّاب الخصخصة) لفرض سياسات اقتصادية دمرت الاقتصاد، من رفع لسعر المازوت بنسبة 353% منذ أعوام عدة، ولا يستطيع أي اقتصاد تحمل تضخم كهذا، في الوقت الذي ظلت الأجور منخفضة جداً وتراجعت التنافسية لشركات القطاع العام والخاص. تم شل قوى الإنتاج في القطاع العام والخاص بآليات مختلفة شتى. فتفاقمت البطالة ووصلت منذ سنوات عديدة إلى 50% من القادرين على العمل وقرابة 70% بين الشباب، واستفحل تهجير (الأدمغة) والعمال الفنيين بسبب سوء الأحوال المعيشية. سياسة الدعم متبعة في جميع الدول، خاصة الدول الصناعية للتصدير وللقطاع الزراعي وغيرها تبعاً لظروف البلد الاقتصادية. ترتفع أصوات (مشبوهة) تطالب برفع الدعم عن حوامل الطاقة وغيرها تحت ذريعة (إيصال الدعم لمستحقيه) دون أن تشترط رفع الأجور. فمن يطالب بأسعار عالمية للسلع، لا يجوز أن يستثني الأجور منها. تراجعت إيرادات الخزينة بسبب تخفيض التصاعد الضريبي على الأرباح إلى 28% نظرياً أما على أرض الواقع فالتهرب الضريبي يبلغ مئات المليارات. يدفع الرأسماليون 1.35% من أرباحهم ضرائب دخل للدولة فقط. وخُفّضت الجمارك تخفيضاً كبيراً جداً، وجمّد القطاع العام الذي كان يزود الخزينة بالضرائب والأرباح، فجرى فعلياً (تجفيف) إيرادات الخزينة، بقصد جعل الدولة عاجزة عن القيام بواجباتها من توفير التعليم والصحة بالمجان للجميع في جميع المراحل وتوفير فرص عمل لملايين العاطلين عن العمل، وزيادة قدرة الجيش الوطني عاماً بعد عام، بتوفير التجهيزات الحديثة والتدريب المستمر تبعاً للحاجة، بقصد انهيار المجتمع والاقتصاد واستسلامه لتعليمات العدو وطلب العون منه، ليكرس نهبه له بذلك.    

 بعد قرابة 1000 يوم من حرب الاستنزاف والتدمير، التي يخوضها العدو الاستعماري الغربي الأمريكي الأوربي الصهيوني ضد القطر العربي السوري المقاوم، مستخدماً الكثير من أدواته، لم يعد ثمة جدوى أو مسوغ، لتقديم تنازلات في مجال السياسة الاقتصادية الليبرالية، ينبغي ألا يستمر تدميرها للاقتصاد والمجتمع. وينبغي انتهاج سياسة اقتصادية توفر فرص عمل مستدامة لملايين العاطلين عن العمل.

العدد 1105 - 01/5/2024