البطالة المقنّعة بعد الحرب.. كارثة!!

في الدول التي تشبه دولتنا، لست أهتم حقيقة عند سماع مسؤول ما يتحدث عن توفير مؤسسات الدولة لفرص عمل أو عن مسابقات جديدة لوظائف في مؤسسات أو مشاريع مستحدثة أو قائمة، ذلك أن الناظر إلى العاصمة دمشق من قاسيون يظهر له معبد جوبيتر الدمشقي الذي تحول إلى كنيسة، ثم أقيم على هيكلها المسجد الأموي.. يظهر له هذا المبنى القائم معظم هيكله قبل الميلاد واضحاً شامخاً كمنجز عمراني، بينما الأَولى أن تختفي صروح كهذا خلف المنجَز العمراني الحديث، للناظر من مسافة مثل جبل قاسيون، فلا حضارة دون ازدهار عمراني.. قولوا لي ماذا عملنا سوى تضخيم منجزات طبيعية؟! جزر الواق واق أضحت اليوم تمتلك ما يفوقها عظمة وحداثة.. إن مفهوم العمل مازال كمومياء، ولا يتاح استثمار الطاقات السورية أو وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، فأنا أعرف شّاباً شاعراً حاز على المركز الأول في مسابقة الشعر الوطني التي أطلقتها وزارة الثقافة السورية منذ أعوام، وهو خريج جامعي، اضطر إلى التقدم لمسابقة توظيف مستخدمين، بسبب أحواله المعيشية الصعبة قبل بدء الحرب في سورية، وهو حتى اليوم عامل نظافة في إحدى الوزارات.

أين طاقاتنا الشبابية؟

إن جيل الشباب محبٌ للعمل والإنجاز والعطاء، ويمارس كثير من الشبّان حول العالم أعمالاً طوعية، إضافة إلى أي عمل آخر يضطلعون به.. بينما لم أرَ الشبّان يعملون بشغف وكخلية نحل إلاّ ضمن تنظيمات الأحزاب السورية، يصنعون اللافتات ويخطون الشعارات ويرسمون لوحات ويصنعون تماثيل ويتناوبون بحمل بعضهم بعضاً على الأكتاف والهتاف بشعارات يبتكرونها حيناً ويرثونها عن آبائهم أحياناً أخرى!!

إن طاقات شبابنا غير مُرشّدة، وغالبيتهم يعملون بغية تحصيل لقمة العيش، العدد الأكبر يعملون في وظائف لا يعنيهم منها سوى أداء الحد الأدنى كي لا تجري معاقبتهم إن هم تجاوزوا الحد الأدنى من الفعّالية في عملهم الوظيفي.. واليوم نحن في أمسّ الحاجة لكل الطاقات السورية، لأننا مقبلون على مرحلة إعادة الإعمار للدمار الهائل الذي خلّفته الحرب، ومع ذلك لا نجد نهجاً مُفارقاً في مسألة التوظيف، ولم نسمع عن إقالات وعقوبات رادعة، ولو ضدّ حفنة على الأقل ممّن يمارس المحسوبيات أو يتلقى الرشا!

أعتقد أن الهدف من معظم المسابقات وفرص العمل التي تطرحها الدولة ليس تنشيط المؤسسات العامة، وتفعيلها وزيادة وهجها، وتألق أدائها، بقدر ما هي سانحة للراغبين باتقاء الجوع والفقر المدقع، وهي تبقى بادرة طيبة خاصة ما سمعنا عنه اليوم في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة، وخاصة أن نسبة ٥٠ بالمائة من تلك الوظائف ستُخصص لذوي الشهداء، وهذه البادرة ستساهم بجعل الكثير من الشباب يتّقون الطرق الملتوية للكسب غير المشروع. ولكن تبقى نظرتي إليها على أنها معونة حياة أكثر من أن تكون استثماراً متكاملاً لطاقات الأجيال الصاعدة، بغية إزالة ما ألحقه الإرهاب بالمدن والمنشآت السورية، والنهوض بالبلاد.

 

العدد 1107 - 22/5/2024