مساحات لا يستهان بها

قال لها: سأبذل ما بوسعي من أجل تحقيق ما تطلبين، لأنني أقدرك. (ولم يقل: لأنني أحبك).

قالت له: ما كنت أصلاً لأطلب منك ما طلبت، لو لم أكن أعزّك. (ولم تقل: لو لم أكن أحبك).

يخفي الإنسان، لأكثر من غاية وهدف، جزءاً من خطابه: نصاً كان.. صورة.. لوحة.. نظرة.. فعلاً أو إشارة ما. ولئن جرت العادة أن نكتم السيئ والمذل والمهين من تصرفاتنا، فمن المؤسي والمؤلم، بل الجارح حتى العظم أحياناً، أن يكون الجزء المخفي من الخطاب هو أهم.. أو أجمل.. بل ربما أنبل ما فيه. تشغل الأجزاء المخفية من أقوالنا وأفعالنا، مساحات لا يستهان بها من مدارج حيواتنا: أفراداً، جماعات، هيئات، مؤسسات، أنظمة وتنظيمات. ويكفي أن يلقي أحدنا قبيل نومه، نظرة جدية على ما أخفاه من خطابه خلال يومه، حتى تطالعه غير قليل من حالات، يعجب فيها من نفسه أو يضحك منها، وقد يبكي أيضاً. مثلما تختلف وتتعدد أهداف الإخفاء ومقاصده من معنوية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية ودينية. كذلك أيضاً تتنوع أساليب الإخفاء وتتلون، تنوع وتلون أسبابه ومسببيه (بسيط.. مركّب.. كلي). كما تتدرج مستويات ومراتب أداء الإخفاء حسب مستويات ومراتب أصحابه (مبتدئين.. متمرنين.. محترفين).

يخفي المحتال ما لديه بقصد الغش والتعمية.. يخفي المجرم أداة الجريمة وأدلتها، هرباً من قبضة العدالة.. يخفي المستبد أشكال وآثار بطشه، كي لا يرى الآخرون ولا حتى هو بشاعة وجهه الحقيقي.. وقد يخفي العاشق آثار هيامه تجنباً لشماتة فاقدي نعمة المحبة ورأفة بمن يحب.

العدد 1107 - 22/5/2024