ميشيل منيّر.. أيها المشاكس أبداً.. سنفتقدك!

في عام 1956 التقيت به في إحدى المناسبات الوطنية، وتوطدت بيننا عرى الصداقة، وتعززت بعد ذلك.. كنا في العمر نفسه، ولقد جمعنا معاً، وكثيرون غيرنا من الشباب آنذاك، الشعورُ الوطني الصاخب، في مرحلة كانت سورية تتعرض فيها لضغوط كبيرة ولمؤامرات متتالية من أجل حرفها عن نهجها الوطني، ومن أجل ضمّها إلى الأحلاف الاستعمارية، وخصوصاً حلف بغداد.. وفيما بعد تعرفت على عائلته، على الوالد، ذلك الإنسان المتواضع، والمتضامن مع أبنائه الذين انجذبوا تدريجياً إلى النضال الوطني، وأصبحوا أعضاء في الحزب الشيوعي السوري، وإلى والدته، الامرأة الطيبة والحنون، والتي لم تبخل بالجهد من أجل تأمين متطلبات أنجالها النضالية..

أسرة شعبية وطنية بامتياز، ومرتبطة ارتباطاً عميقاً بتراب هذا الوطن ومعجونة به، حاملة معها إرثه الوطني المتوارث عبر الأجيال..

كان ميشيل الأخ الأكبر، ولقد استطاع التأثير على أشقائه، ودفعهم على هذا الطريق الذي سار عليه وبقي مرتبطاً به حتى مغيب حياته.. لقد عملنا معاً، وجمعتنا الحركة الطلابية التي كانت ناشطة آنذاك، وكان مولعاً بالرياضة والحركة الرياضية، ووجد فيها مجالاً خصباً لاجتذاب الشباب إلى النضال السياسي.

في عام 1959 يعتقل ميشيل، ويزجّ في السجن، إلا أن الأجهزة الأمنية آنذاك لم تكن تمتلك أية معطيات عن انتمائه إلى الحزب الشيوعي، فيخرج من السجن ويتابع نشاطه سراً، ويعمل على إعادة صلته مع الحزب، ويخرج الشيوعيون من سجن المزة عام ،1962 وألتقي معه من جديد، ونعمل معاً، خلال أكثر من عام ونصف، وتشاء الظروف أن ننفصل، وتتوقف لقاءاتنا لتعود بعد ذلك ولتتواصل، وألتقي به من جديد في موسكو، وتتجدد العلاقات، ولم تنقطع بعد ذلك.

في أوائل السبعينيات، ونتيجة الانكسارات في الحركة الوطنية، التي أدت إلى انشقاقات عديدة مسّت تقريباً كل القوى الوطنية، ولم يسلم منها الحزب الشيوعي، الذي عانى الكثير منها، أختلف مع ميشيل في العديد من المسائل المثارة، ومع ذلك بقيت علاقتنا وطيدة لم تتأثر مطلقاً بهذا الخلاف.. كان كثير التعلق بالماضي النضالي للحركة الشيوعية، وكان تمسكه به كبيراً، ولكنه في أعماقه كان يخشى من أن ينقض التطور العاصف في العالم، بعض الأساسيات التي آمن بها طوال حياته، والتي كانت تشكل بالنسبة له مغزى حياته.

لقد كان يعيش في سنواته الأخيرة هذا الهاجس وفي دفاعه المستميت عن هذا الماضي بمجمله، كان يعبر عن قلقه الدائم، وعن خوفه من انهيار الحلم الذي كان ساكناً في كيانه..

لقد غادر الحياة هذا الشيوعي العنيد المؤمن بمثُل الشيوعية، دون أن يرى حلمه يتحقق، تاركاً فراغاً عند الكثير من أصدقائه ورفاقه..

سوف نفتقدك أيها الصديق العزيز كثيراً..

العدد 1105 - 01/5/2024