عملية خلط للأوراق في الساحة السورية والتفاؤل مرهون بالتسليم الأمريكي للدور الروسي

 ثمة سيناريو جديد بدأت تتوضح مظاهره شيئاً فشيئاً في هذه الآونة، ويتمثل في الحراك المشبوه الذي تقوده الإدارة الأمريكية الجديدة في محاولة جدية لعرقلة وإحباط الجهود الروسية الرامية إلى حل سياسي للأزمة في سورية من جهة، ورفع نسب التوتر في المنطقة من جهة ثانية، وهو سيناريو يحمل في مضامينه ومؤشراته العناوين التالية:

* زيارة قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط جوزيف فوتيل إلى الشمال السوري.

* إرسال واشنطن أربعمئة جندي سينضمون إلى 500 جندي آخرين موجودين في الشمال السوري.

* نية واشنطن استعادة دورها، لمواجهة المواقف الروسية وإنجازات الجيش العربي السوري بعد تحرير حلب وتدمر.

* التحرك العسكري الأمريكي في الشمال السوري جاء متفقاً مع النهج الذى تنتهجه واشنطن.

* أوضح المتحدث باسم التحالف الدولي جون دوريان، أن 1000 جندي أمريكي ينتشرون داخل الأراضي السورية من دون أي تنسيق مسبق مع الحكومة السورية ما يجعل هذه القوات قوات احتلال، في سياق التدخل الأمريكي العدواني المعتاد في معظم ملفّات المنطقة.

* إصرار واشنطن على استثمار العداوة بين حليفيها في الملف السوري (أنقرة والأكراد).

* إعلان أنقرة عزمها على بناء مدينة جديدة تستوعب ثمانين ألف نسمة في ريف حلب الشمالي، جاء متزامناً مع معلومات تكشف النقاب عن أن مدينة أعزاز باتت تدار مباشرة من قبل والي مدينة كلس التركية.

* إحباط محادثات أستانا وإسقاط الهدف منها، ثمَّ محاولة نسف جنيف التي جاءت نتائج جولتها الرابعة باهتة.

* عودة الهيئة العليا للمفاوضات لإطلاق مواقف سعودية عدائية عشية جولة جنيف الرابعة.

* عملية تسابق بين السعودية والإمارات لإرسال قوات إلى الشمال السوري تحت مختلف الذرائع والأهداف.

* محاولات أنقرة الجديدة الرامية لإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري مساحتها 5000كم2.

* بروز عملية تنسيق جديد وتفاهمات جديدة بين مسعود برزاني ورجب أردوغان. 

* الحديث المتزايد عن انخراط ميداني مُحتمل لقوّات (البيشمركة) على الأرض السورية.

* انسحاب أنقرة من تفاهمها مع موسكو وتراجعها باتجاه التنسيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

* إعلان الأردن رغبته بإقامة منطقة آمنة في الجنوب والشرق السوريين بذريعة حمايته من تنظيم داعش.

* إصرار الرياض والدوحة على المضي في وضع العصي في عجلات أية بوادر إيجابية لحل المسألة السورية.

* بروز إقامة محور (سعودي- قطري- تركي) بخلفية أمريكية يناهض المواقف والجهود الروسية.

* تفاهمات أنجزها أردوغان مؤخراً مع الرياض والدوحة بشأن زيادة تسليح الإرهابيين في أرياف حلب وإدلب.

* عودةٌ فرنسية بريطانية لنغمة استخدام أسلحة كيميائية في سورية، ووجهت بفيتو روسي صيني في مجلس الأمن.

* زيارة الموفد السعودي تامر السبهان للبنان بما حملته من إشارات تحذيرية وتخويفية.

* التحضير للقيام بمناورات بحرية تركية ــ إسرائيلية في شرق المتوسط بمشاركة أمريكية.

* محادثات سرية أجراها وليُّ وليِّ العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بترتيب إسرائيلي.

ولدى البحث في ماهية خلفيات هذا السيناريو، يتضح مدى التقاء تلك العناوين وتناغمها معاً، رغم الاختلاف اللفظي والشكلي في خلفيات العناوين والأهداف والمرامي التي يسعى مطلقو تلك المواقف المستجدة من أجل تحقيقها، والتي تقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وراءها جميعاً، من خلال طرح مزاعم تدعي العمل على مواجهة التنظيمات الإرهابية، وفي الوقت ذاته إعطاء جرعات دعم جديدة لتلك التنظيمات وتزويدها عبر الاستخبارات العسكرية التركية بدفعات جديدة من الدبابات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة وناقلات الجند التي أُدخلت في وقتٍ سابق (وفق تقارير صحفية) إلى الأراضي السورية عبر باب الهوى، وذلك بعد ما أصاب تلك التنظيمات من انكسارات وإخفاقات ميدانية تجلى أبرزها باستعادة الجيش والقوات المسلحة السورية لكامل مدينة حلب والتقدم باتجاه تدمر وتحريرها، وأخيراً استعادة مدينة منبج.

إن ما تقدم، يستدعي التنبه إلى أن ما تبيته الدوائر الغربية من نوايا عدوانية جديدة ليست موجهة ضد سورية وحسب، بل إنها موجهة أيضاً ضد محور المقاومة ونقاط ارتكازه، مع الأخذ بالاعتبار قيام الجيش التركي بتدريبات في مناطق حدودية مع سورية، وما تردد حول اتفاق تركي اسرائيلي على إجراء مناورات بحرية في شرق المتوسط الشهر القادم بمشاركة قطع بحرية أمريكية.

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، تبدو مفيدة الإشارة إلى تنامي علاقات السعودية وبعض الدول الخليجية مع الكيان الإسرائيلي، وهي علاقات أكد تقرير نشره موقع (انتليجانس اونلاين) الفرنسي المتخصص بالشؤون الاستخبارية أنها قائمة منذ عشرات السنين، وقد بدأ العمل في هذه الآونة على تنميتها علانية في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني.

ويشير التقرير الفرنسي إلى أن التعاون الاستخباري بين الرياض وتل أبيب أثار شهية أجهزة استخبارات في دول خليجية أخرى ودفعها للارتباط بالكيان الإسرائيلي مثل البحرين والكويت، وتبدو الإشارة مفيدة إلى أن صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية باتت تفخر بعدد متصفحي موقعها من السعوديين بعد إنهاء حظرها في المملكة، لافتة إلى أن التنسيق بين الرياض وتل أبيب يجري حول قضايا استراتيجية تتصل بما تشهده الساحتان العربية والإقليمية من أحداث وتطورات. والتساؤل المشروع الآن هو: هل ستسلم إدارة ترامب بالدور الروسي، فتنتهي الأزمة بتسوية تضمن لسورية السيادة الوطنية الكاملة والأمان الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي؟ أم تتمادى تلك الإدارة في عرقلة هذا الدور، ما يعني تمديد الأزمة حتى إشعار آخر؟

تبقى الإجابة عن هذا التساؤل مرهونة باحتمالات الآتي من المستجدات الناتجة عن الأزمة، وما يمكن أن تنتجه هذه الأزمة من تداعيات، في ضوء ما تبيته الإدارة الأمريكية من نوايا عدوانية للحصول على موطئ قدم في الأرض السورية، أملاً في تحقيق أهداف بعيدة المدى تتصل بمصالحها الاستراتيجية العدوانية في المنطقة.

إن ما تقدم، يستدعي التنبه إلى أن ثمة أمراً ما، يجري الإعداد له بسرية تامة في دوائر صنع القرار الأمريكية والاستخبارات الغربية والأطلسية، (هو أمر) إن تحقق، لن يكون حتماً في مصلحة محور المقاومة والتصدي للسياسة العامة للولايات المتحدة الأمريكية وعملائها في المنطقة، ما يستدعي بالتالي العمل على ترسيخ أسس هذا المحور وتجذيره وتطويره وتوسيع دائرته وتفعيل دوره وتقويته ورفع مستوى قدراته بما يمكنه من مواجهة كل الاحتمالات التي ينبغي عدم الاستهانة بما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج كارثية لا يمكن تلافيها إلا في حالة واحدة، تتمثل بدفع الإدارة الأمريكية باتجاه اتخاذ قرار جريء يسلّم بالجهود الروسية الصادقة والرامية إلى القضاء المبرم على جميع التنظيمات الإرهابية في سورية، والتوصل إلى تسوية سياسية فيها تضمن لها سيادتها المطلقة وجغرافيتها الكاملة ووحدتها الوطنية من جهة، والعمل تالياً على نزع فتيل التوتر المتنامي في المنطقة عموماً بصورة متسارعة وغير مسبوقة، والقضاء على جميع مظاهر الإرهاب والإجرام والتطرف فيها، ووضع حد لمختلف محاولات التدخل بشؤونها الداخلية من جهة ثانية، ومن دون ذلك لا يمكن لأحد التنبؤ بما يمكن أن تواجهه هذه المنطقة من تداعيات خطيرة، ليس بمقدور أحد التكهن بمدى انعكاساتها الكارثية مستقبلاً على ثرواتها ومقدراتها وجغرافيتها السياسية وديموغرافيتها، وعلى التراث الحضاري الذي تكتنزه أرضها منذ آلاف السنين. 

العدد 1102 - 03/4/2024