رسالة مفتوحة إلى السيد وزير النفط (*)!

هل تذكر تلك اللحظات الصعبة التي واجهتَ فيها الصحفيين والفنيين داخل الإذاعة والتلفزيون؟

لم أكن أتصور أن أقف يوماً ما أمام مسؤول، وأحدثه عن حاجة شخصية، عندما يكون الشأن العام في الواجهة، ومع ذلك وقفت أمامك لأتعرف عليك، وعلى احترامك للكتاب والصحفيين، عندما نهضت من وراء كرسيك لترحب بي، وتقوم سريعاً بتدوين موافقتك على طلبي الخطي بتأمين (عشر تنكات مازوت)!

كانت تلك لحظات صعبة بالنسبة إلي، وصعبة بالنسبة إليك أن تكون أمنية المواطن السوري هي تأمين الدفء لأطفاله بهذا الكم البسيط من الوقود!

مضى على ذلك الحدث أكثر من ثلاثة أشهر!

ومضى على دوري في مكان التسجيل أكثر من أربعة أشهر!

يا ألله كيف يمر الوقت في حياتنا؟ أنت تفهمني ياسيدي جيداً.. ولكنني سأحكي لكِ ما الذي حصل بعدئذ.. وكيف طال الزمن ونحن ننتظر! ببساطة دُوّن طلبي وطلبات آخرين في الديوان، واتُفق مع المعنيين على الشروع في توزيع هذه الكميات سريعاً، وانتظرت يومين، وثلاثة، ثم  أسبوعين، ثم ثلاثة ثم أربعة دون فائدة!

توسط بعض الأصدقاء عند مدير التوزيع، فوعد بتأمين المازوت فوراً، وقال لي على الهاتف:

ــ ولو.. نحن بخدمتكم يا أستاذ!

انتظرت أسبوعاً وأسبوعين دون فائدة، فقد أقيل السيد مدير المحروقات، وتولى العمل شخص آخر في التوزيع، وتبدلت الأسماء، وطارت الكراسي، ونحن ننتظر: أنا وأسرتي وغيري وأسرهم!..

وأيضاً اتصلت شخصياً بالمسؤول أناشده باسم الشتاء والصيف، وأجابني أن اسمي ورقم هاتفي تحت زجاج طاولته:

ــ ولو.. نحن بخدمتكم.. يا أستاذ!

وأيضاً مر شهر وأكثر دون فائدة، ونحن في ضاحية قدسيا نعاني البرد القارص، حيث تنقص درجة الحرارة عن المدينة ثلاث أو أربع درجات..

وخلال ذلك كنت أهدئ من روع ابنتي التي تود أن تقدم فحص الثانوية لتتخرج بعلامات جيدة، فأقول لها: تحملي، فالشعب السوري كله يعاني ويكابد ويقدم  التضحيات.

إلى الآن لم يأتِ دوري في التنكات العشر.. نعم ياسيادة الوزير، ولكن من واجبي أن أقول لك: إنني شاهدت بأم عيني المازوت يباع في الشعلان بثمانين ليرة لليتر الواحد، وفي أبي رمانة بمئة ليرة..  وبأم عيني شاهدت ابنتي وهي تبكي وتقول لي: إنها تكاد تموت من البرد، فأقول لها:

ــ عندما تحل المشكلة يصل المازوت إلى جميع السوريين ..!

أود أن أخبرك سيادة الوزير، أنه لم يعد هناك ضرورة للتنكات العشر، فقد وردتني رسالة من مدرسة الأوائل التي تدرس فيها ابنتي تقول إنها حازت على ثلاث علامات من أصل ستين علامة في الرياضيات..

شكراً لك سيادة الوزير على تكرمك بالموافقة على عشر تنكات مازوت، وعلى احترامك لي أمام زملائي!

 

(*) كتبت هذه الزاوية قبيل التغيير الوزاري الجديد الذي شمل وزير النفط.

العدد 1104 - 24/4/2024