كي لا ننسى..المناضل الشيوعي محمد صالحة شهيد منظمة حلب

 في عام ،1980 يسقط المناضل الشيوعي والوطني العريق محمد صالحة شهيداً على أيدي مرتزقة الإخوان. فمن هو هذا الرجل؟ ولماذا هذا الحقد الذي كان يكنّه له أعداء التقدم والحرية؟

إنه ابن حلب، هذه المدينة التي شهدت أولى الحلقات الماركسية، وأولى معارك الطبقة العاملة السورية ضد الاستغلال، ومن أجل الحقوق السياسية والنقابية، وضد وجود الاستعمار الفرنسي آنذاك، الذي كان يلقي بثقله على كاهل الشعب السوري. في هذه المدينة ولد هذا المناضل عام ،1912 من أسرة شعبية وفي حي شعبي، ولقد عانى منذ طفولته، شأنه في ذلك شأن كثيرين من أبناء حيّه من العوز وشظف العيش. كان مضطراً، وهو يافع، أن يدخل في معترك الحياة الصعب والقاسي، لكي يؤمّن العيش الكريم له ولأسرته، وكانت تهزّه، من أعماقه، سيطرةُ المحتل الفرنسي على كل مرافق الحياة في البلاد، وسرقته المتواصلة لمواردها. وكان من الطبيعي، وهو الشاب الملتهب حماسةً وحباً للوطن، أن يندفع للمشاركة في نضال الشعب السوري من أجل التحرر من السيطرة الاستعمارية، فيشارك، وهو في العشرين من عمره، في الهجوم على مخافر الفرنسيين، مما عرضه للملاحقات المستمرة وللاضطهاد من قبل المحتلين. ويتعرف هذا الوطني باكراً على أفكار الحزب الشيوعي ويرتبط به تدريجياً، ويكرّس حياته للنضال في سبيل حقوق الطبقة العاملة السورية الناشئة، وعموم كادحي البلاد.

وكان عليه، في مسيرته النضالية، أن يغيّر مكان عمله باستمرار، وقد اشتغل في مجال النقل، وسكن لفترة من الزمن في مدينة اللاذقية، ويعود بعدها إلى حلب، ويربط مصيره بمصير هذه المنظمة الباسلة، التي سطرت صفحات نضالية ناصعة في تاريخ هذه المدينة العريقة.

وخلال مسيرته النضالية الطويلة، تعرض للاعتقال والسجن مرات عديدة، أثناء الحكم الفرنسي، وفيما بعد من قبل الديكتاتوريات المتعاقب على سورية من ديكتاتورية حسني الزعيم، إلى الشيشكلي. وفي فترة الوحدة السورية المصرية، تعرض هذا المناضل للاعتقال أيضاً والتعذيب، على الرغم من أن الشيوعيين آنذاك، قد نبّهوا من الارتجال في إقامتها، ودعوا إلى تعزيزها من خلال تصليح هذه الأخطاء. ولم يؤخذ برأيهم آنذاك، مما أدى إلى انهيارها السريع، الأمر الذي شكل نكسة خطيرة لفكرة الوحدة، والفكر القومي على العموم.

ولقد استمر هذا الشيوعي المخلص لأفكار العدالة، في ارتباطه العميق بالحركة العمالية، وبدفاعه المستمر والدؤوب عن مصالح الكادحين وحقوقهم، الأمر الذي جعله يحوز على حب الناس واحترامهم، في حيه، ومدينته، وقد قدم بذلك نموذجاً حياً للشيوعي الوفي لشعبه والمحب له دون حد ودون مقابل.

جرى اغتيال هذا المناضل الشعبي، من قبل مجرمين، أثارهم حبّ الناس العميق له، وأخافهم تعلّق الناس، من خلال هذا الحب، بأفكاره ووطنيته وإنسانيته، وارتباطه العميق بالشعب، وبذلك تنتهي حياة هذا الرجل الذي ترك بصمته على نضال شيوعيي مدينة حلب، وارتبط بتراثهم الثرّ، الذي يجب أن لا تمحوه الأيام، ويجب أن لا ينسى.

العدد 1105 - 01/5/2024