زمن المقايضات السياسية
د. نهلة الخطيب:
كل شيء بات جاهزاً الآن، نتنياهو لم يطلق كلاماً عبثياً حول تغيير الشرق الأوسط، ووضع صفقة القرن على الطاولة وسايكس بيكو جديد، فمسلسل الزلزال وما حدث من كوارث حتى الآن مدخل إلى مشهدية جديدة في المنطقة، رقعة شطرنج جديدة وادارة ترامب تعيد ترتيب حجارتها، ماهي الحجارة التي ستسقط وماهي الحجارة التي ستبقى على رقعة الشطرنج، فالتغيير الاستراتيجي لا يقتصر على غزة ولبنان وسوريا «واحتواء الدول الأخرى تحصيل حاصل»، سوريا دولة منزوعة السلاح، اليمن تحت العمليات ومصر تحت المجهر والأردن مهدد، لابد من احتواء إيران، خرائط ستتغير وأنظمة ستتغير لا جدوى من المواجهة، لا دولة خارجة على القانون، «القانون الأمريكي» في المنطقة، وليس بوسع أمريكا إلا أن تتدخل في شؤون الدول، فهو قرن أمريكي بامتياز دون منازع، الدب الروسي منهك والتنين الصيني يغفو لحماية مصالحه الاقتصادية بأمريكا والغرب والاعتمادية المتبادلة بينهم والتي تخشى الصين المخاطرة بها، تراقب عن كثب ما يحدث لأنها قد تواجهه نفس السيناريو في حال أقدمت على تدخل عسكري في تايوان.
أمريكا لم تدخل الحرب بشكل مباشر مع روسيا بعد هزيمتها في العراق وأفغانستان وانما مارست نظام الحرب بالوكالة حتى لا تستنزف جيشها واقتصادها وبنفس الوقت سيرتد عليها بالمنفعة من ابرام صفقات الأسلحة لتزويد الحرب، بوتين لا ولن يقبل الهزيمة في أوكرانيا مهما كلف الأمر وهو يخوض حرباً مصيرية جيوسياسية لن تتوقف حتى تتحقق أهدافها ليس فقط في أوكرانيا بل في مواجهة أحادية القطب الأمريكية وخلق دور لروسيا في عالم متعدد الأقطاب، وبرغم التفوق العسكري الروسي جواً وبحراً، وضم مقاطعات أوكرانية لتصبح جزء من روسيا، لم تتمكن من حسم الحرب، ودخلت حرب استنزاف جعلت روسيا التي جاءت عام 2015 لحماية النظام في سوريا لا الدولة، غير قادرة على مساعدة الأسد، لم يسقط النظام لولا المقايضة سوريا بأوكرانيا، فباعت في سوريا لتشتري في أوكرانيا مع مراعاة أطماع إسرائيل بالتوسع في سوريا بصفقة الأشقاء بين ترامب وبوتين، وفي الظل هناك ارتال روسية في سوريا تزحف باتجاه ليبيا لإيجاد موطئ قدم لها، قبل ارغامها على ذلك، فأردغان هو الملك وهذا زمن احناء القيصر أمام السلطان.
مشاريع كبيرة تتربص بنا وهل الصراع انتهى بالقضاء على محور المقاومة!!، أبداً، مازال الصراع على سورية بين القوى الاقليمية والدولية، مزايدات وصفقات واستثمارات، وما يتربص لها التقسيم والطائفية والفدرلة والانتداب الاقتصادي والسياسي، وحتى الاحتلال المباشر، وما حدث ما كان ليتم دون الدعم الكبير التركي والقطري للفصائل المسلحة، المشروع القطري بصفقة توزيع حصص الغاز، والمشروع التركي بإقامة تركيا العظمى بالسيطرة على شمال سوريا وضمها لتركيا بدعوى التصدي للأكراد، «وها هي تحشد في الشمال مستغلة ضعف ادارة بايدن»، ولابد أن يصطدم برغم التماهي ضد نظام الأسد بمشروع نتنياهو بإقامة إسرائيل الكبرى باحتلال الجنوب «السويداء ودرعا والقنيطرة»، ومضاعفة سكان مرتفعات الجولان المحتل، سيتصارعون على النفوذ وتصطدم المشاريع فأمريكا وإسرائيل تسعى لإقامة دولة كردية في شمال شرق سوريا تمهيداً لإنشاء ممر داوود وهو الخط الواصل بين إسرائيل والعراق خطوة نحو إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات.
مع انهيار النظام السوري السريع جعل الكثير من الدول تتجه مسرعة في تشكيل استراتيجية متكاملة لمواجهة الأحداث، روسيا لا مستقبل لها في سوريا كما إيران هذا الأمر يدفع الدول الغربية لأن تكون أكثر فاعلية فيها، ولا يعرنكم الانفتاح الدولي فهو غالباً استكشافي من باب التعامل مع أمر واقع ريثما يتم بلورة رؤية معينة، فالوليمة كبيرة وما يطبخ لسوريا خطير، في لعبة الأمم لا يكون الكبار من الخاسرين وانما الخاسر هي الدول الضعيفة التي تمارس حروب الوكالة « تقسيم وتشرد وفقر «.
أمريكا تريد أن تكون خطواتها لها مقابل وهي تنتظر ما ستقدمه القيادة الجديدة في سوريا، ربما لا تكون أوروبا متعجلة بشأنها وخاصة فيما يتعلق بإسرائيل، ترامب أراد انهاء كل الملفات قبل توليه السلطة الا الملف السوري يريد أن يضع محدداته بنفسه، فالأمر فيه الكثير من المرونة والتشعبات التي تفجرت بسرعة، اعتراف ترامب أن تركيا تملك أوراق اللعبة في سوريا، وعليه أن يتفاهم معها بشأن ما سوف يحدث، يثير تساؤلات ماذا بعد، وكيف ستتعامل معها، ماذا ستقدم لاردوغان، وهل يعمل اردوغان لحسابه الخاص أم لحساب أمريكا واسرائيل؟؟ غالباً سيبيع الأكراد في شمال سوريا بصفقة مقايضة ومزاد علني ليشتري لإسرائيل في جنوبها بعد الاعلان السوري بوقف الصراع مع إسرائيل.
التناقضات الكبيرة بين القوى الاقليمية والدولية لا يمكن تجاوزها بسهولة في ظل تضارب الأجندات، فمن الواضح في المرحلة الحالية التقاطع في المصالح بين اللاعبين الأساسيين أكثر مما كان في السابق وتفوق خلافاتهم بكثير، التفاوض والمقايضة السياسية على ملفات ساخنة في المنطقة بداية تنسيق استراتيجي لهدنة واقتسام الكعكة، حرب غزة وأوكرانيا غيرت موازين القوى الاقليمية والعالمية وفتحت باب المقايضات بين السياسيين والاقتصاديين وبالتالي تشكيل نفوذ سياسي جديد، وطبيعي العالم بعد الحروب مختلف عن ما قبلها، لكنه الشرق الأوسط الذي شهد غروب العديد من الامبراطوريات، «فالتاريخ هنا ولد وهنا يموت»، فما مصير إسرائيل في حال غربت أمريكا بفعل تقلبات الزمن؟؟!!. السلوك الاستفزازي لأمريكا لا يؤدي إلا إلى صب الزيت على النار، الشعلة متقدة ويمكن أن تتحول في أي لحظة إلى حريق عالمي.