صوت العدالة ضد الإجرام الصهيوني

د. صياح فرحان عزام:

الخطوة التي خطاها كريم خان (المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية)، تعدّ سابقة في تاريخ الكيان الصهيوني، وذلك عندما قدم طلبات للمحكمة لاستصدار أوامر اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة ضد الإنسانية شملت نتنياهو ووزير حربه غالانت، وتحميلهما مسؤولية الجرائم في قطاع غزة، وحرمان الشعب الفلسطيني فيها من أساسيات الحياة والتسبب بالمعاناة والتجويع.

لقد كان لهذا الطلب وقع الصاعقة في كيان الاحتلال، لأنه يعني بالدرجة الأولى أن الكيان الذي يشعر منذ قيامه على أراضي الغير بأنه فوق أي حساب أو مساءلة على الأقل، وأن لا شيء يردعه عن تنفيذ ما يريد وفي أي وقت، من قتل وسلب أرض وتدمير وتنكر للقرارات الدولية، بل احتقارها، هذا الكيان وجد نفسه في حقبة جديدة، فمعظم دول العالم أدانته، وأنه ليس فوق القانون، وبالتالي لم يرق لقادته طلب مدعي عام المحكمة الدولية.

الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الذين يكيلون بمكيالين انتقدوا طلب الجنائية وأدانوه في مفارقة عجيبة غريبة، إذ إن واشنطن والعواصم الغربية دعمت المحكمة الدولية سابقاً ضد روسيا، الأمر الذي يؤكد انحيازهم الأعمى لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وتغاضيهم عن جرائمه، بل وحمايته سياسياً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحافل الدولية الأخرى، علاوة على الدعم العسكري غير المحدود والمستمر بشتى أنواع الأسلحة والذخائر، ما مكن هذا الكيان من مواصلة حرب الإبادة على غزة لمدة تزيد عن سبعة أشهر.

ووصل الحال بأمريكا وحلفائها إلى تهديد المدعي العام للمحكمة وأعضائها، وهذا ما دفع المدعي العام كريم خان إلى القول في إحدى مقابلاته الصحفية: (إن أحد السياسيين الغربيين قال له: إن هذه المحكمة أنشئت من أجل إفريقيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين)!

ورغم أن المحكمة الدولية لم تلحظ وجود احتلال ولا وجود حرب إبادة مكتفية بتقنيات جرائم الحرب (وهذا فيه محاباة لكيان الاحتلال وظلم واضح للفلسطينيين)، ولكن يمكن القول إن العالم قد تغير ولم تعد الشعوب والدول تقبل باستمرار سلوك كيان الاحتلال وعدم مساءلته عن أفعاله، إضافة إلى أن العديد من الدول الغربية التي كانت ومازالت حليفة لهذا الكيان باتت ترى – بل هي عازمة- على الاعتراف بدولة فلسطين، وبالتالي يواجه هذا الكيان عزلة خانقة هي الأقسى في تاريخه، فالعالم ينفضّ من حوله شعبياً ورسمياً، والمظاهرات الطلابية الضخمة التي اجتاحت الجامعات الأمريكية والغربية خير مثال على ذلك، فضلاً عن أن جيش الاحتلال الذي زعم نتنياهو أنه جيش (أخلاقي نوعي) عالق في مستنقع غزة، وفي حالة استنزاف يومية بسبب المجازر الدموية التي ارتكبها ولايزال.

ورغم كل ذلك، فإن هذا الأرعن المنفلت من كل قيد أخلاقي أو إنساني نتنياهو مازال يركب رأسه، ويرفض كل الدعوات لوقف حرب الإبادة في غزة، منطلقاً في ذلك من ساديته ومصلحته الشخصية، فهو باستمراره في الحرب يهرب من مأزق بانتظاره مأزق المحاكمة.

على أية حال، إن المشهد السياسي والعسكري للعالم في الوقت الراهن مفتوح على الكثير من التوقعات والاحتمالات، فالعنف الذي يمارسه كيان الاحتلال في غزة، بل حرب الإبادة، لا يمكن أن ينساها الشعب الفلسطيني والعرب الشرفاء.

وكما هو معروف، القتل يولّد الكره والثأر، ويغرس بذور الانتقام، إذ يظل الكره رماداً ينتظر ريحاً تؤججه، ومن يقرأ تاريخ العالم والأمم والشعوب يرى آثار الكراهية ماثلة في ملايين القتلى والجرحى الذين خلفتهم الكراهية المتأصلة في نفوس مشبعة بالحقد وبجنون العظمة كما هو حال الصهاينة وداعميهم في أمريكا والغرب.

العدد 1140 - 22/01/2025