السعادة والشباب

ياسمين أبو ترابي:

عزيزي القارئ، إنَّ عملي المتواضع هذا ليس بتأليف بقدر ما هو من وحي الواقع الملعون.

أردتُ أن أصوغ بعضاً من عبارات التقدير لشخصكَ حين تبثهُ في وجوه البائسين لتقول في مقدمة هذا الوجه الطفولي الذي تناثر عليه حبّ الشباب والتجاعيد مُبكّراً:

أنا لم آتِ إلى هذه الباخرة كي أتألم أو أذرف دمعة الحزن وأستسلم لمقادير اليأس.

فنحن نشعر بذلك لأننا نعاني مئة مرة في اليوم عندما نُبقي الألم حيّاً بداخلنا. فالألم المدفون في جثّة هامدة على كوكب الأرض تُنشئ بنا سحائب مُعتمة ضارّة. وتبقى المشاعر وليدة اللحظة كولادة طفل أمّيّ لا يعرف شيئاً سوى غريزة الإحساس.

ويبدو أنَّ جيل الشباب مستمرٌ في معاناتهِ وكأنّها كائنات بحرية تعيش لتبتلع معاناتك التي تبدو حطبة يوضع فوقها حطبة أخرى لتشتعل وهج نيران الشمس المُحرقة. لكن، وعلى الرغم من العجز واليأس علينا أن نتحلّى بالتفاؤل لعلَّ الحياة تبتسم لنا، نبشر بالنجاح والرزق، والحياة الكريمة الهانئة. لقد حاولت أن أصل إلى دروب الأمل، إلى الطريق الذي أضع عليه قدمي، أردتُ أن أزرع الحديقة بالورود، وأن أتعلّم الصعود إلى قمة التفاؤل عسى أن أُوهب عمراً جديداً، وألبس ثوباً جميلاً، لأبحر به في سفينة العظماء الذين تغلّبوا على لحظات اليأس والقنوط، إلى أن ترسو بي سفنهم في جزر النجاح!

فلا تنسى أيها القارئ الكريم: أن الأشخاص العظماء هم أشخاص عاديون، غير أنهم لم يسمحوا لمسالك اليأس أن تتسلّل إلى نفوسهم، أو تُعشّش في زوايا قلوبهم، غمرهم التفاؤل طوحاً شامخاً في أعالي السماء، طوّروا من قدراتهم ومجهوداتهم بالكفاح والمثابرة، والخطوات المتأنية.

من هم جيل الشباب؟

الشباب عموماً مصطلحٌ يشير إلى فترة من الحياة ليست في مرحلة الطفولة أو سن الرشد، بل في الزمن ما بينهما، فهذا الوقت هو وقت للحياة، اتجاه إلى المستقبل، وميزة للتخيّل، وانتصار للشجاعة على الجبن، والرغبة في المغامرة، ولا شكّ أن لكل أمة من الأمم عماد تستند إليه، وقوى فاعلة في المجتمع (فكرية، علمية، قوة السلاح، قوة المادة.. الخ). ومن وجهة نظري أن هذه القوى لا تكتمل إلاّ بتوافر جيل ناضج يساهم في بناء الأمة، ولا شكَّ في أن عماد الأمة شبابها.. فهم، على اختلاف أشكالهم وألوانهم وتعدّد بلدانهم، يمثلون قوى مهمة وواجهة لهذه المجتمعات. هم من سيرقى بالأمة، أو يهوي بها.. ولكن هل يُبشّر الواقع بغدٍ واعد للشباب!؟

إن الشباب في كل زمان ومكان يمثلون أنموذجاً فعّالاً وقوياً في المجتمع.. لا تخلو أمة من الشباب الأخيار الذين يبنون ولا يهدمون.. ومن الإجحاف الحكم على الجميع بالبطالة الفكرية والإنتاجية، رغم أننا نجد بعضاً من الشباب غارقاً في اللهو، راكضاً خلف المتغيرات! لا يدرك قيمة وجوده في الحياة أو متجاهلاً لها .. اهتماماته سطحية، وأحلامه خيالية، ومحاكاته للواقع غربية، يعيش بلا هوية!

لكن، من المسؤول عن إفساد عقول شبابنا، وإخراج جيل لا يتحمّل المسؤولية؟؟

إن هموم الشباب المتعددة، من بطالة، وعنوسة، وفراغ، وغيرها من الأمور المُسبّبة لإدمان المخدرات، وارتكاب الجرائم، والفساد الأخلاقي.. إلخ. كلها هموم مشتركة يتسبّب بها المجتمع والفرد.

إن أتينا إلى الفرد، ففي أحيان كثيرة تتوافر له جميع سبل الحياة الكريمة، وجميع مقوّمات الإعداد النفسي والاجتماعي، غير أن الشاب ذاته لا يمتلك الاستعداد الكامل لتحمّل أعباء الحياة.. فهو غارق في الاتكالية الزائدة، والاعتماد على الآخرين، مُتعلّلاً بأمور قد تكون واقعية ولكن يمكن تداركها بالجد والسعي، غير أنه ألف إلقاء التُهم على الغير لأسبابه الواهية!

ولا ننسى أن مشكلات الشباب وهمومهم تتعدّد وتتزايد كلما اتسعت دائرة التكنولوجيا والتقارب بين الشرق والغرب، حتى اختلطت المفاهيم، وسُدّت الأبواب في وجه الشباب الذين تعترضهم بعض المشكلات من مثل:

*الصعوبات التي يُعاني كثير من الأهل منها خلال التعامل مع أبنائهم الذين يمرون بمرحلة المراهقة. ولتسارع الأحداث اليومية على كل الأصعدة أصبح من الصعب التركيز على المشكلات التي تواجه الشباب خصوصاً الذين يمرون بفترة المراهقة. وهذه مرحلة حرجه جداً في حياة الإنسان، ويجب على الآباء الانتباه لهذه المرحلة والتعامل معها بحرص عن طريق تجنّب الخلافات غير المجدية.

*تعاطي المواد المخدرة التي تُعتبر من أكبر المشكلات التي يتعرّض لها الشباب في كل المجتمعات للهروب من مواجهة المشكلات. في تجاهل تام لحقيقة أن تعاطي هذه المواد لا يحلُّ المشكلات بل يزيدها ويُعقّدها.

*الهروب من المنزل: كُثُر هم الشباب الذين يهربون من منازلهم بعد خلاف قاسٍ مع الآباء، ويتكرر هذا الحدث فيما بعد، ثم يتحوّل إلى عادة. وبذلك يكون عرضة للمشكلات الخطيرة في الشارع بعيداً عن أي رقابة.

*الخلافات الأسرية: الخلافات في الأسرة شيء عادي، فلا توجد أسرة دون خلافات. لكن يجب على الأهل التعامل مع المشكلة بطريقة صحيحة والوصول إلى حلّ ودي، وبذلك يفهم الأبناء أن وجود المشكلات شيء عادي.

*الاكتئاب: يصاب المراهقون بالاكتئاب بسهولة ولأتفه الأسباب. ويمكن أن تكون هذه المشكلة إما مشكلة طويلة المدى أو قصيرة المدى، بالنسبة للتعامل مع الاكتئاب قصير المدى يعني مواجهة مصدر الاكتئاب أو تجنبه إذا أمكن. فمن المهم إدراك ما الذي يُسبّب الإحباط أو الاكتئاب الذي قد يكون أحياناً بسبب نظرة المراهق التشاؤمية للحياة، فيجب تربيه الأبناء على أن يستمتعوا بالحياة، وأن يكونوا دائماً لديهم أمل ونظرة تفاؤلية تساعدهم على الصمود أمام مشكلات الحياة التي لا تنتهي.

العدد 1140 - 22/01/2025