الحرب الأوكرانية.. لا تسوية ولا مفاوضات
د. نهلة الخطيب:
حرب أوكرانيا تدخل عامها الثالث، ولا خرق عسكري يحسم المعركة، أو يحمل نصراً يقلب موازين الحرب لصالح أحد طرفي الصراع، وإن الأزمة في أوكرانيا على أهميتها، ليست أوكرانية بحتة، بل محاولة لإشغال (الدب الروسي) في فضائه، على حساب دوره الدولي المتصاعد نحو عالم أكثر (توازناً)، وهذا ما يدركه كثيرون وبضمنهم أوربا أيضاً، ومحاولة فصل روسيا عن أوربا، وهذا ما أشار إليه زبيغينو بريجنسكي (سكرتير الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر) إلى أهمية أوكرانيا في إبعاد روسيا عن أوربا، (وهو المنظر لتفكك الاتحاد السوفييتي وضرورته).
إذاً، نحاول أن نستعيد ما حصل، وما يحصل منذ اندلاع الحرب، والمفترض حسمها في أيام قليلة، كما روّج الإعلام الروسي، من الاستيلاء على أوكرانيا في غضون ثلاثة أيام فقط من بدء الحرب، ولكن ربما أخطأت التقديرات، والخطأ الحقيقي أنه لم توجّه الضربة للعاصمة كييف، ولم تحقق النتيجة المرجوة، وقد ضخ حلف الناتو ما في جعبة أعضائه، لدعم أوكرانيا في حربها، فكان سقف الآمال الغربية والأوكرانية، مرتفعاً لتحقيق انتصار عسكري بالهجوم المضاد، فالهجوم المضاد مرحلة مهمة في الحرب، لكنه فشل بعد أشهر من التحضيرات الواسعة، فالتحصينات العسكرية الروسية أفشلت كل الخطط، ولجمت القوات الأوكرانية، وأرهقتها بشكل كبير، وكانت نتائج الهجوم المضاد مخيبة جداً، الكثير من التقارير التي تتحدث عن فشل الهجوم المضاد، الذي كانت تأمل منه أوكرانيا إخراج القوات الروسية خارج أراضيها، تضافرت العوامل لاستنزاف عزم الاتحاد الأوربي، وحلف شمال الأطلسي بشأن الدعم القوي لمواجهة روسيا، وظهرت مواقف للدول الداعمة والحليفة، حول جدوى الدعم الكبير، والمرهق لمواردها المالية والعسكرية، إذ اعتمدت أوكرانيا إلى حد كبير على هذا الدعم، وحجم الإمدادات، بيد أن هذه الإمدادات قاربت على النفاد، هذا ما أكده روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو عندما قال: (إن قاع البرميل أصبح مرئياً).
رئيس الوزراء سلوفاكيا روبرت فيسو، رأى في مقال له أن (الغرب أخطأ في تقييم الحرب بين روسيا وأوكرانيا)، وانتقد الدعم الغربي لكييف، ورأى أن الحقائق لا ترحم، وأن روسيا تسيطر بشكل كامل على الأراضي التي دخلتها في أوكرانيا، وتوقع أن المساعدات الغربية المستمرة لأوكرانيا ستكون بلا جدوى. ووفق وول ستريت جورنال، فإن (جهود الحرب في أوكرانيا عالقة، وأن هزيمة قوات النخبة المضاد، كشف عن حقائق قاتمة مع اقتراب بداية الحرب عامها الثالث).
فهل كان بالإمكان تجنّب هذه الحرب؟؟
ببساطة شديدة: لا، لأن قرار الحرب متخذ من 2014، بعد ضم جزيرة القرم، لتكون الجمهورية 22 في الاتحاد الروسي، فيما تكمن أهميتها الاستراتيجية راهناً، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، بأنها المنفذ الأساسي لروسيا على البحر الأسود، وخصوصاً بعد تفكّك (المنظومة الاشتراكية) في دول شرق أوربا، وتحول البحر الأسود إلى قواعد أمريكية أو أطلسية، زادت وتيرة الحرب، إصرار أوكرانيا عدم الحياد، والانضمام للناتو، والإصرار التام لمواجهة كل من يؤيد عودتها إلى الاتحاد السوفييتي السابق.
بدأ الصراع بحشد روسي كبير في 24 شباط عام 2022، والحشد استمر على أكثر من مرحلة، بعد عامين تغيّر المشهد، القوات الروسية تسيطر على خُمس الأراضي الأوكرانية، مشهد مر بتحولات كبيرة، ومعارك دامية بين الطرفين، ففي بداية الحرب، بدأ القصف الروسي على جميع أنحاء البلاد بما فيها كييف، وصلت القوات الروسية إلى تخومها، ثم انسحبت، وبعد ستة أشهر من الحرب، سيطرت روسيا على مدينتي دونيتسك ولوغانسك، تحول آخر بعد أشهر، حين أعلنت روسيا سيطرتها الكاملة على باخموت، وأخيراً وقبل الذكرى السنوية للحرب حققت موسكو نصراً جديداً ومهماً في 17 شباط، بالسيطرة على أفدييفكا في دونيتسك. الهجوم الروسي الأخير يفتح الطريق أمام التوغل الروسي، ويؤكد أن الرئيس الروسي لا تزال لديه طموحات إقليمية كبيرة لم تتحقق في أوكرانيا، وقد يسعى للسيطرة على أراضٍ جديدة خلال الأشهر المقبلة، وتحقيق انتصارات جديدة في ساحة المعركة، وخاصة أنه على أعتاب معركة انتخابية جديدة.
وليام البيركي (مسؤول سابق في حلف شمال الأطلسي)، يرى أن الحرب الأوكرانية تنحصر بين أمرين، موقف الدعم الغربي القوي، وكذلك الانتخابات الرئاسية الروسية في 2024، يرى البيركي أن الدعم الغربي لأوكرانيا، بعد اندلاع الصراع في الشرق الأوسط، معتمد على الانتخابات التي ستجري في معظم الدول الغربية، والمد اليميني المتطرف الذي يجتاح الأكثرية، وظهور أصوات تعترض على الدعم لأوكرانيا، كييف تعتمد على الدعم الغربي والأمريكي بشكل كامل، وهو ما قد يتغير في حال تغيرت الإدارة الأمريكية، أو توقف هذا الدعم، فثمة مخاوف من أن الدعم الأمريكي سيجف في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بينما الروس يقاتلون بأسلحتهم المحلية.
يتمسك الرئيس الروسي والرئيس الأوكراني بأهدافهما المعلنة، التي حالت دون إجراء محادثات مباشرة لإنهاء الصراع، وحسب مجلة نيوزويك الأمريكية فالصراع مرجح أن يستمر حتى عام 2025، بوتين يبدو أكثر ثقة بعد مرور عامين على الحرب على هزيمة أعدائه في الداخل والخارج، وهو يهاجم في تصريحاته أمريكا وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي، وهو يرى أنها معركة وجودية لروسيا ضد الغرب.
لا روسيا ولا أوكرانيا مستعدة حالياً للتفاوض، حتى اللحظة لا يوجد مؤشر على ذلك، بل ما يزال الجانبان ملتزمين بالخيار العسكري، ربما تزيد وتيرتها من الجانب الروسي، ما دام شريان الأسلحة موجوداً والدعم اللوجستي من جانب الناتو، وإدارة بايدن في وضع لا يسمح لها قبول أي تسوية أو مفاوضات، بسبب الاستحقاق الرئاسي القادم، وبعد أن تعطلت في الكونغرس حزمة جديدة من المساعدات لأوكرانيا، واحتدم حولها جدال سياسي، مما يؤكد فشل هذه الإدارة في هذا الملف، ويحسم الانتخابات لمرشح آخر.
البداية بسؤال والنهاية بسؤال، أشهر تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستؤشر إلى طبيعة الحل القادم، وبانتظاره، فإن التفاعلات الأوكرانية الداخلية والخارجية مستمرة، وأن مشهد المفاوضات الأوكرانية، سوف يضاف إلى مشاهد المفاوضات الإيرانية، والسورية، والفلسطينية ووو، فهل ستحقق أهدافها؟؟