أوكرانيا.. وداعموها في مأزق
د. صياح فرحان عزام:
دخلت الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، ولا توجد مؤشرات إلى وقف إطلاق النار، أو بدء مفاوضات سلام تنهي هذه الأزمة المعقدة، ورغم الخسائر الجسيمة التي تكبدتها القوات الأوكرانية، وفشل وتعثر كل الهجمات المضادة التي قامت بها، إلا أنه من الملاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوربيين مازالوا مصرّين على استمرار هذه الحرب، على أمل أن تتحقق لهم هزيمة روسيا (كما يحلمون).
إن مجريات القتال الذي يدور يومياً لا تصب في مصلحة كييف وحلفائها الغربيين، وفي الآونة الأخيرة، تلاحقت الضربات الروسية النوعية لمفاصل وشرايين المجهود الحربي الأوكراني، كما حققت القوات الروسية اختراقات مهمة في معظم جبهات القتال يصعب على أوكرانيا تداركها وتطويق تداعياتها، مثل السيطرة على بعض المدن والمناطق الحيوية، وبالمقابل مازال نظام زيلينسكي يتحدث عن خطط واستراتيجيات لطرد القوات الروسية في المناطق التي حررتها بما في ذلك شبه جزيرة القرم، وقام مؤخراً بعزل رئيس أركان جيشه، علماً بأن خبراء وعسكريين غربيين يرون أن مثل هذه الأهداف من المستحيل تحقيقها وفق التوازنات الحالية، لكن الحسابات الغربية المنطلقة من مصالح شخصية ونوايا عدوانية مبيتة تتغافل عن الوقائع والتوازنات، ولم تتزحزح منذ عامين حتى الآن عن مواقفها المعلنة منذ بداية هذه الحرب، ومازالت تسعى إلى جمع الهشيم لإذكاء نار هذه الحرب التي أحرقت سياسات وحكومات، وخلطت الكثير من الأوراق على ساحة العالم، وتركت تأثيراً بالغاً على الاقتصاد العالمي.
في هذه المرحلة، من المفترض أن يتأمل الغرب الذي يقود هذه الأزمة ما جرى خلال العامين الماضيين، إذ إن العلاقة بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة وصلت إلى درجة عالية من العداء والحقد لم تشهدها سنوات الحرب الباردة، وذلك بسبب استفزاز الولايات المتحدة المستمر لروسيا وبأشكال مختلفة، وبدا التلويح بالاصطدام من الجانب الأمريكي، من خلال تصريحات المسؤولين في واشنطن ولندن وإيحاءاتهم شبه اليومية، خاصة أن روسيا تقابل مثل هذه التصريحات والإيحاءات الاستفزازية ببرودة أعصاب، وهذا ما يضاعف الحنق والحقد الغربيين، ويجعلهم يفكرون في اللجوء إلى حلول انتحارية، من قبيل السعي لمصادرة الأموال الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا، أو إعداد القوة لبدء صراع مباشر على موسكو، وهي محاولات- يبدو أنها تأتي بعد أن استنفدت كل جهود الدعم المالي والعسكري الموارد الأوربية والأمريكية، وباعتراف كثيرين من صنّاع القرار في العواصم الغربية، وبضمن ذلك في واشنطن، فإن الخيارات أمام الغرب أصبحت ضيقة للغاية مع احتجاب المساعدات الأمريكية، وبالرغم من كل ذلك، يبدو أنه ليست هناك نوايا لدى الغرب لتقديم تنازلات والقبول بالواقع الذي وصلت إليه الحرب حتى لا يتحول الموقف إلى استسلام أمام روسيا، كما يتصور ذلك مسؤولو الغرب بزعامة واشنطن التي على ما يبدو لها مصلحة في استمرار الأزمة في أوكرانيا، لأنها تبيع النفط للدول الغربية بأسعار باهظة، وأيضاً السلاح ولا تخسر جندياً واحداً.
لقد أصبح الموقف مما يجري في أوكرانيا بالنسبة للدول الداعمة لها (الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون) جناحين: الأمريكي الذي يواجه صراعات داخلية، وانقسامات سياسية حادة، ونزعات انفصالية على عتبة الانتخابات الأمريكية الرئاسية، والثاني جناح أوربي بات يخشى أن يظل وحيداً في مواجهة القوات الروسية في أوكرانيا، فالأسلحة والأموال (المخصصة أو التي يمكن تخصيصها لأوكرانيا) صارت محدودة، إلى جانب التأثير الكبير لدعم أوكرانيا على البنى الاقتصادية والاجتماعية، والدليل على ذلك استمرار ثورات المزارعين (ثورة الجرارات)، والإضرابات العمالية والوظيفية، وزيادة شعبية اليمين الشعبوي المتطرف.
إذاً، في مثل هذه الظروف بدأت أوكرانيا تدخل الثقب الأسود، وما على زيلينسكي إلا الاعتراف بالواقع وعدم الانتحار وراء الأوهام.