المطبّعون العرب.. كلابُ حراسةٍ ودجاج يبيضُ ذَهَباً!

فادي إلياس نصار:

أعطت  الثرواتُ، التي يمتلكها الوطن  العربي، المحتلّ الأمريكي حافزاً قوياً  لغزوِ بعض الدول ومن ثم الانسحاب منها بشكلٍ وهمي، والاستمرار بنشر جيوشه وأدواته، لإنتاج أجيالٍ من الإرهابيين، واستنباط تنظيمات إرهابية (بحلّة أحزابٍ سياسية)، وكذلك إعادة إنتاج فصائل انفصالية (على غرار قسد، مسد)، لتعمل كلها على خدمتهِ، بشكلٍ مباشرٍ عبر تدمير تلك البلدان وتسهيل نهبها، أو غير مباشرٍ، عبر التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني. فقد بدأت (الرّخويات) في الدّول الخليجية، عمليات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، منذ أن كانوا يسكنون الصّحاري، في بيوت مصنوعة من شعر الماعز، أواخر سبعينيات القرن الفائت، أي مباشرة بعد أزمة النفط، التي خنقت حكومة راعي البقر الأمريكي (ريتشارد نيكسون)، تلك الحكومة التي وضعت أسس للبدءِ بنهب البترول من قبائل الخليج الغارقة في التخلف، فنقلتها من حياة البداوة إلى مجتمع شبه رأسمالي، (وهذا ما يُفسر النمو السريع، لمدن مثل دبي وأبو ظبي).

بدأ التّطبيع اقتصادياً، عسكرياً، دبلوماسياً، إعلامياً، تكنولوجياً، وحتى رياضياً،  منذ عقودٍ،  ذلك أن نقل الخطوط الجوية الخليجية لآلاف الرّكاب من وإلى دولة الكيان، لا يقلّ فضائحيةً عن مشاركة (إسرائيل) في معرض للسّلاح في قطر، وحضور ممثلين عنها في مهرجانات الخيول العربية في الدوحة، كما لا تقل فظاظةً عن حصول شركات أمنية إسرائيلية أبرزها (إي جي تي) على عقود لحماية آبار النفط في الإمارات العربية المتحدة، ولا حتى عن مشاركة القوات الإماراتية نهاية عام 2017 في مناورات (العلم الأحمر) في اليونان إلى جانب (إسرائيل) والولايات المتحدة الأمريكية، كما لا تقل خطورة عن شراء قطر لكميات كبيرة من الأسلحة الإسرائيلية.

وتعمَّق التطبيع في المؤتمر الذي عُقِدَ عام 2015 في واشنطن، ونظمه مجلس الشؤون الخارجية الأمريكي، والذي دار فيه الحديث الشهير بين اللواء السعودي المتقاعد، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية في جدة، (أنور عشقي) والمدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية آنذاك (دور غولد)، حول (إيران) كعدوٍ مشترك للسعودية وإسرائيل معاً، علماً أن هذا اللقاء جاء بعد خمسة لقاءات دارت حول القضية ذاتها (بحسب صحيفة بلومبرغ).

كذلك طبَّع الإماراتيون، بعد أن جمعهم مع (إسرائيل) تهديد (إيران) لهم، فأعلنوا ذلك جهاراً في عام 2009 في عهد (أوباما)، وبعدها في عام 2012، التقى نتنياهو مع وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة في نيويورك. وفي آذار (مارس) 2018، اجتمع نتنياهو مع سفيري الإمارات والبحرين لدى الولايات المتحدة في مطعم في واشنطن العاصمة، بعد الاجتماع أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي الأسبق (يوفال شطاينس)،عن تدشين أنبوب بحري لنقل الغاز من (إسرائيل) إلى أوربا بتمويل إماراتي ودعم أوربي.

فيما طبَّعت قطر رسمياً، بعد (مؤتمر مدريد) عام 1991، عندما أعلنت افتتاح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة، ووقعت اتفاقيات لبيع الغاز الطبيعي لإسرائيل، تلا ذلك إنشاء بورصة الغاز القطرية في (تل أبيب)، وتوالت تلك المشاهد الى يوم توقيع القطريين على معاهدة التجارة الحرة (الغات) والتي تشترط عدم مقاطعة إسرائيل، والى حينِ نقلهم، بعد اندلاع الحرب في اليمن، ما تبقى من يهود اليمن، إلى تل أبيب، على متن الخطوط الجوية القطرية.

إنّ اعتماد ملوك وأمراء الخليج لمسمّياتٍ وصّفتها لهم وكالة الاستخبارات الأمريكية، يعني أنّهم قد أصيبوا بجهالةٍ، لأنهم يعتبرون التطبيع حواراً طبيعياً مع دولةٍ جارة (إسرائيل).

حكومات الخليج، لا تجيد العمل السياسي، الدبلوماسي والعسكري، لكنها كلاب حراسة لا يتخلى عنها الإسرائيلي، ودجاج يبيض ذهباً.. لن يدعها (الكاوبوي) الأمريكي تفرّ منه لتعود إلى أحضان العرب.

المهدية السوداوية المؤلمة الذي يراها العالم اليوم في غزة، هي نتيجة حتمية لسياسات استسلامية كانت ومازالت الدول العربية المطبعة تنتهجها.

في ظل هذا الجو المليء بالكلام والصحيح الأفعال،

وفي الانتظار الطويل ليقظة الضمير العربي، يبقى سؤالنا إليهم ما قاله النواب العظيم: القدس عروس عروبتكم، لماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟

العدد 1140 - 22/01/2025