حول الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة
د. صياح فرحان عزام:
افتتحت الأمم المتحدة (الجمعية العامة) دورتها السنوية لهذا العام وسط أصوات علت فيها بالدعوة إلى إصلاح هياكلها ومؤسساتها، وخاصة منها مجلس الأمن بزيادة عدد الأعضاء الدائمين فيه.
ولكن هل تلقى هذه الدعوة والأصوات آذاناً مصغية تجاه ذلك؟ فعلى مدى ثمانية وسبعين عاماً، بقي الوضع في مجلس الأمن على وضعه الراهن، ومَنعت الدول الكبرى، لاسيما منها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بريطانيا وفرنسا، أي تغيير في تركيبة مجلس الأمن وعدد أعضائه. ونذكر هنا أن تغييراً واحداً حصل عام 1971 بمنح الصين الشعبية العضوية الدائمة في المجلس بدلاً من تايوان حالياً، بعد توافق نادر في الجمعية العامة آنذاك، وفي الأساس التوافق بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية.
في هذه الأيام، يسود العالم انقسامات كبيرة وتنافر (استراتيجي) بين واشنطن وموسكو، بسبب السياسات الأمريكية الاستفزازية والحروب والأزمات التي أشعلت واشنطن نارها، حمايةً لمصالحها، والخوف من أن تفقد قيادتها الأحادية للعالم وانفرادها بالقرار الدولي.
ومن الملاحظ أن الصراع بين واشنطن وموسكو، الذي افتعلته الولايات المتحدة وغذّته باستمرار في عدّة دول من دول العالم، سيتركز- كما يبدو- في مجلس الأمن وأروقة الأمم المتحدة، فالرئيس الأمريكي بايدن يتبنّى توسيع قائمة الأعضاء الدائمين في المجلس، ليس حباً ورغبة صادقة في إًصلاح المجلس وتوسيعه، بل بهدف التصدي لما يسمّيه تزايد نفوذ روسيا والصين فيه، ووفق الطرح الأمريكي، فإن زيادة أعضاء مجلس الأمن لا تقتصر على عضو أو اثنين، وإنما خمسة أعضاء على الأقل (اليابان، وألمانيا، والهند، والبرازيل، وجنوب إفريقيا)، ورداً على ذلك تدعو روسيا أيضاً إلى إصلاح المجلس، ليضمّ دولاً صاعدة أصبحت ذات تأثير ونفوذ أكبر في مجالات الأمن والاقتصاد العالميين. وبين الطرحين الأمريكي والروسي هناك نقاط غامضة تتعلق بالصلاحيات التي ستتمتع بها الدول الجديدة المفترضة، ومنها امتلاك حق النقض (الفيتو) الذي تمتلكه دول المجلس الخمس الحالية، والذي يمنحها القدرة على تعطيل أي قرار أممي يتخذه مجلس الأمن، فيما لو كان لا ينسجم مع سياساتها ومصالحها.
بطبيعة الحال، وحسبما يراه باحثون ومعلقون سياسيون، في الدعوة الأمريكية لإصلاح المجلس، لا تخرج عن دائرة العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، عن دعم الغرب اللامحدود لنظام زيلينسكي في كييف سياسياً وعسكرياً لاستفزاز روسيا.
لا شك في أن أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى جدول أعمالها مجموعة من الملفات الحرجة والأزمات العالقة المتعلقة بقضايا الأمن والسلام وجملة الحروب والصراعات التي اختلقتها الولايات المتحدة وتعمل على تأجيج نارها وإدارتها وفقاً لما يضمن المصالح الأمريكية في العالم، خاصة مساعي واشنطن للتمسك بقيادة العالم والسيطرة الأحادية على القرار الدولي، هذا إضافة إلى قضايا أخرى مهمة، منها نقص الماء والغذاء في العالم، واتساع دائرة الفقر، وتحديات التغيرات المناخية، والعدالة والمساواة والأوضاع الصحية، وأعباء الديون على الدول الفقيرة، علماً بأن معظم هذه القضايا نوقشت سابقاً ولكنها بقيت دون حلول جذرية، بل حبراً على ورق.
باختصار، إن البشرية لم تعد تحتمل المزيد من الأزمات، وإن شعوب العالم باتت (محبطة)، وبالتالي فهي لا تعلق آمالاً عريضة على الدورة الحالية للجمعية العامة.