قمة (فيلينيوس) والهاجس الأمني الغربي!

د. صياح فرحان عزام:

بداية تجدر الإشارة إلى أن قمة الناتو التي عُقدت مؤخراً في العاصمة الليتوانية (فيلينيوس) شهدت إجراءات أمنية غير مسبوقة لم تشهدها أية قمة سابقة، إذ تولى أكثر من 12 ألف جندي مهمة حماية القمة، إضافة إلى عدة آلاف من رجال الأمن الذين انتشروا في العاصمة، ثم قيام إسبانيا بنقل منظومة صواريخ أرض جو من لاتفيا المجاورة، ونقل ألمانيا منظومة صواريخ باتريوت.. بالطبع هذا الحشد الأمني والعسكري هو لدرء أية مخاوف أمنية مزعومة بسبب محاذاة لتوانيا لروسيا وبيلاروسيا.

وهذا الحشد جاء أيضاً بعد تخلي الحلف عن الوسائل الدبلوماسية في تعامله مع روسيا، وإقراره منهجاً يقوم على المواجهة فقط وعلى مفهوم ما يسميه الحلف الأمن الواقع، وليس الأمن وقت الحاجة.

وعلى مدى يومين من قمة الحلف هذه كانت الحرب في أوكرانيا هي الهاجس الأكبر أمام قادته، وكان السؤال المركزي: إلى أي مدى يمكن أن يصل الدعم العسكري لأوكرانيا من دون الوصول إلى خطر مواجهة كبرى مع روسيا؟

لذلك كان قادة الحلف- كما ذكرت الأنباء- يعيشون هاجسين اثنين:

الأول: أن يكون الدعم المزمع زيادته قادراً على استرجاع ما يسمونه الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا، والثاني: الحؤول دون وصول هذا الدعم العسكري إلى حالة تتجاوز الخطوط الحمراء.

لقد واجه قادة الحلف في قمتهم المذكورة مشكلة إصرار زيلينسكي على انضمام بلاده إلى الحلف خلال هذه القمة، إلا أن الموافقة على طلبه هذا تعني الدخول في حرب مباشرة مع روسيا تطول شرارتها كل أوربا، وأجمع عدد من المحللين السياسيين والعسكريين على أن إصرار زيلينسكي على الانضمام المباشر والفوري لبلاده إلى الحلف، هدفه توريط دول الحلف في هذه الحرب ودخولها بشكل مباشر على خطها وتحميل دول الحلف تبعات ذلك.. وكحل وسط- إن صح التعبير- وإرضاء لدميتهم زيلينسكي تقرر إنشاء ما أطلق عليه (مجلس أوكرانيا حلف الأطلسي) بحيث يسمح لأوكرانيا المشاركة في اجتماعات الحلف وتوفير احتياجاتها، الأمر الذي جعل الرئيس الأوكراني يتراجع عن طلب الانضمام الفوري للحلف.. ومما يجدر ذكره أنه يبدو من الواضح أن الغرب أصبح محبطاً في أوكرانيا، وإن إعلان الرئيس الفرنسي ماكارون عزمه على إمداد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى بعد أيام من قرار الرئيس الأمريكي بايدن تزويد كييف بقنابل وذخائر عنقودية، وكل ذلك يشير إلى أن التوتر بين الغرب وروسيا بلغ درجة الغليان الفعلي، وأن الوضع بينهما مرشح للتصعيد أكثر فأكثر، وربما يصل الأمر إلى درجة الاحتكاك الخطر، ولكن مع هذا فإن ما يروج له الإعلام الغربي حول مجريات الحرب في أوكرانيا يعكس قلقاً من كسب الصراع مع روسيا لصالح الحلف كما يحلم قادته، والسبب واضح وهو أن المساعدات العسكرية بمئات المليارات لكييف ذهبت هباء، وأن الهجوم الأوكراني المضاد الذي صدع به الإعلام الغربي رؤوس الناس لم يكن بحجم الرهان عليه، بل يمكن القول حتى الآن إنه فشل، حتى أن خبيراً أمريكياً سخر من هذا الهجوم عندما استنتج أن أوكرانيا ستحتاج إلى 117 عاماً لاستعادة أراضيها.. أي أن تحقيق انتصار اوكراني أمر مستحيل، والمعركة في أوكرانيا ميئوس منها، ولذلك جاءت الإمدادات بالأسلحة العنقودية المحرمة والصواريخ بعيدة المدى، والمقاتلات المتطورة علّها تعدل الموازين حسب تصور أصحابها.

وهكذا يمكن من خلال ما تقدم عرضه أن نخلص إلى بعض الاستناجات منها:

– إن الغرب محبط فعلاً تجاه ما يجري في أوكرانيا، ولكنه يمضي في المكابرة.

– إن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على ترسيخ حالة القلق الأمني هذه لدى دول الحلف، مدعية أنه يواجه أخطر بيئة أمنية، وذلك لمواصلة الهيمنة على الدول الأوربية واستخدامها للإبقاء على هيمنتها الأحادية على العالم.

– لقد فشلت محاولات الغرب لاستهداف روسيا من الداخل عبر (تمرد فاغنر)، وتبين أن الوطنية الروسية في أوجها، وأقوى من السابق، وأنه مازال في جعبة روسيا الكثير من الأسلحة الفعالة التي لم تستخدمها بعد، كما يؤكد خبراء عسكريون.

العدد 1140 - 22/01/2025