حول تمرّد قوات فاغنر
د. صياح فرحان عزام:
يوم السبت الواقع في الرابع والعشرين من شهر حزيران الماضي، عاشت روسيا ولمدة ستّ وثلاثين ساعة حالة من القلق والخوف بسبب إعلان قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين التمرد، والتهديد بالزحف على موسكو العاصمة الروسية، بعد أن تمكنت قواته من السيطرة على مقر القيادة الجنوبية للقوات الروسية في مدينة روستوف، وتبنّيها خيار قلب نظام الرئيس فلاديمير بوتين، وترافق هذا القلق الروسي مع متابعة عالمية لهذا الحدث لحظة بلحظة، فالغرب وحلفاؤه وعملاؤه، كانوا ينتظرون بفارغ الصبر تطور هذا التمرد بما يؤدي إلى إدخال روسيا في أتون حرب داخلية تنعكس آثارها على مسار العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وبالتالي تحقيق هزيمة روسيا وإجبارها على سحب قواتها من أراضي إقليمي دونباس ودونيستك، وربما من شبه جزيرة القرم التي استعادتها روسيا، وهذا الموقف الغربي المخزي ليس مستغرباً، لأنه على مدى ستة عشر شهراً خلت لم يتوقف هذا الغرب المنافق عن دعم نظام (دميتهم زيلينسكي) بكل أنواع الأسلحة الفتاكة والمتطورة حتى كادت مستودعات أسلحتهم أن تصبح فارغة، علاوة على الدعم الإعلامي والمالي، وتنفيذ عمليات تخريب وتدمير لخط الغاز ستريم وستريم 1 وسد نوفاكاخوفكا، وقصف الأسطول الروسي في البحر الأسود وغير ذلك من العمليات الإرهابية التي نفذتها المخابرات الأمريكية والغربية في موسكو وشبه جزيرة القرم وبعض المدن الروسية الأخرى، والاعتداء على منبى الكرملين وغير ذلك، كل ذلك مع حملة إعلامية مستمرة وشرسة لشيطنة روسيا بشكل عام ورئيسها بشكل خاص.
ويشير عدد من الخبراء والباحثين السياسيين والعسكريين إلى أن للغرب بصمة في حصول وتنظيم هذا التمرد، وأن المخابرات الأمريكية والغربية ضالعة في ذلك، وليست بريئة منه كما أخذت تروج لذلك بعد فشل التمرد.
مقابل ذلك، هناك الكثير من دول العالم الكبرى والصغرى نظرت بقلق إلى هذا التمرد من منطلق أنه سيتحول إلى صراع دموي روسي داخلي يؤثر في نهاية المطاف على بنية الدولة الروسية التي تقود مع الصين عملية تحول النظام الدولي القائم على الأحادية القطبية التي تتحكم بمصائر الشعوب والدول الصغيرة، إلى نظام متعدد الأقطاب يعيد للشرعية الدولية هيبتها التي انتهكتها واشنطن وحلفاؤها لسنين طويلة وما تزال تنتهكها دون أي رادع أخلاقي أو أنساني.
إذاً، هكذا نظرت الدول الغربية إلى هذا التمرد على أنه يمثل (تصدعاً حقيقياً) على مستوى السلطة في روسيا، و(تحدياً) مباشراً لسلطة الرئيس بوتين حسب تعبير وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، وكانت تأمل أن يأخذ التمرد مداه بحيث تحصل المواجهة الداخلية بين الروس.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن التمرد المذكور لا يشكل بحدّ ذاته خطراً يهدد الجيش الروسي الذي يزيد تعداده على مليون جندي، بينما عديد قوات فاغنر هو بحدود خمسة وعشرين ألف متطوع، ولكن كانت الخشية من انعكاس المواجهة على حالة الاستقرار الداخلي، ثم على مسار العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، لاسيما في ظل مؤشرات كثيرة على أن المخابرات الغربية أعدّت قوى داخلية للقيام بنشر الفوضى والتخريب، وهذا ما كان في حسبان الرئيس بوتين، فقبل بمبادرة رئيس بيلاروسيا، ويعد هذا القبول قراراً حكيماً ومتعقلاً، فقد ساعد على تجاوز روسيا أزمة كبرى، والأصح مؤامرة كبرى تهدد كيانها ودورها المتنامي.
إذاً تم إحباط أحلام غربية، كانت تراود أكثر من زعيم ودولة في هذا الغرب المتنمر، وعادت الحياة الطبيعية إلى موسكو وروستوف، وغيرهما من المناطق، بعد تلك الساعات العصيبة التي أشرنا إليها في بداية المقال، ولم تتأثر العملية العسكرية الخاصة لروسيا في أوكرانيا بهذا التمرد، ولا أداء الجيش الروسي فيها.
بقي أن نشير إلى أن قوات فاغنر ظهرت لأول مرة في شهر أيار 2014 عندما استعادت روسيا شبه جزيرة القرم.
وقد ذكرت الأنباء أن بريغوجين وصل إلى بيلاروسيا، ومع هذا ليكن في الحسبان أن التآمر الغربي على روسيا لن يتوقف، وأن ماكينته الإعلامية أيضاً لن تتوقف عن نشر الأكاذيب.