البيض.. وديوك استيراد العلف
في المسلسل الكوميدي الشهير (ضيعة ضايعة) كانت الوجبة المفضلة لرئيس المخفر (أبو نادر) هي (بيض عيون) وكان يتناولها في أي وقت من أوقات اليوم وقبل انطلاقه إلى أي مهمة رسمية مستعجلة، وكانت اللقطات تظهر صحنين بيض أو أكثر موضوعة على الرف بالقرب من الغاز الذي تتناثر حوله قشور البيض.
وكان البيض يحتل مركزاً رئيسياً في وجبات إفطار السوريين على اختلاف شرائحهم، ويطهى حسب الرغبة (مقلي أو مسلوق) وإذا ماكنا نجوع أو لم يعجبنا طبخ أمهاتنا أو كنا في سرعة من أمرنا فأول ما نقوم به هو (فقش بيضة على السريع) فتحضيرها لا يحتاج إلى مهارة في فنون الطبخ، لدرجة أن النساء إذا ما أرادت إحداهن بأن تعيب إحدى جاراتها أو زوجة ابنها كانت تصفها بأنها: (لا تعرف أن تقلي بيضة) أي أنها ليست صاحبة بيت ولا تملك مهارة إدارته.
فالبيض كان صديق الجميع والأقرب إلى قلوب الفقراء، فهو يمدّهم بالبروتينات والفيتامينات اللازمة لصحتهم وصحة أبنائهم، حتى برزت (ديوك) الأزمة التي أبت إلا أن تحرمهم منه، فقد واصلت أسعار البيض تحليقها مبتعدة عن أطباقهم فوصل سعر البيضة الواحدة منذ أيام إلى (1200 ل. س) مرتفعةً بنسبة تقريبية وصلت إلى 36% منذ بداية العام الحالي وحتى الآن، فقد سجل صحن البيض سعر 34 ألف ل.س بينما كان سعره في بداية العام الحالي 25 ألف ل.س ويبدو أن هذا السعر مرجح للزيادة في قادم الأيام، وذلك رغم استقرار أسعار الصرف الرسمية والموازية خلال هذه الفترة وإحجام الكثير من المواطنين عن شراء البيض بسبب القفزات الكبيرة في أسعاره واكتفائهم بشراء بيضة واحدة!
بحسب معدل الغذاء العالمي يجب أن يأكل الفرد 5 بيضات أسبوعياً، وعليه فإن أسرة سورية متوسطة مكونة من خمسة أفراد تحتاج يومياً إلى 3 بيضات ونصف بسعر 3600 ل.س أي أنها تحتاج في الشهر إلى مبلغ 108000ل.س لتغطي حاجتها من هذه المادة بينما الحد الأدنى للأجور في سورية 92000 ل.س، فمن أين للمواطن السوري أن يصمد ويقف في وجه المؤامرات الداخلية والخارجية إذا كان أجره الشهري لا يكفيه ثمن بيض يمد عظامه بالكلس الضروري لذلك؟!
تباين بالآراء الرسمية
بيّن مدير عام المؤسسة العامة للدواجن (سامي أبو دان) في تصريح لصحيفة (الوطن) المحلية بتاريخ 15/6/2023 أن سبب الارتفاع في أسعار البيض يعود إلى ارتفاع أسعار الأعلاف التي يُحصر استيرادها بأشخاص معينين، موضحاً أن أسعار الأعلاف في لبنان أقل من سورية ب30 _40% إضافة إلى عدم وجود إنتاج كافٍ وخروج النسبة الأكبر من المربين الذين يتزايد عددهم يوماً بعد يوم، وفي تصريح سابق لصحيفة (تشرين ) بتاريخ 14/6/2023 أوضح أن من بين أسباب الارتفاع عدم وجود دراسة حقيقية لتكلفة الإنتاج من قبل مديريات التجارة الداخلية الأمر الذي دفع كثيراً من المربين إلى الانسحاب من التربية وأدى إلى وجود نقص في العرض وزيادة في الطلب.
أمين سر جمعية جماية المستهلك في دمشق (عبد الرزاق حبزة) أرجع أسباب الارتفاع إلى انتهاء الفروج السابق كذلك ذبح أمات الفروج البياض إضافة إلى عدم تأمين الأعلاف للدواجن، ملقياً باللوم على المؤسسة العامة للدواجن لعدم طرحها الكمية المنافسة من المادة في السوق، لافتاً إلى أن التجار ليس لهم دور أساسي في ارتفاع أسعار المادة باعتبار أنها غير صالحة للتخزين؟!
مدير مؤسسة الأعلاف (عبد الكريم شباط) صرح في وقت سابق لصحيفة (تشرين 14/6/2023) بأن هناك انخفاضاً عالمياً بأسعار الأعلاف، وأنه من المفترض أن ينعكس على السوق المحلية ولاسيما أسعار المنتجات الحيوانية.
عضو لجنة مربي الدواجن (حكمت حداد) أوضح في تصريح لصحيفة تشرين بتاريخ 15/6/2023 أنه خلال الفترات السابقة كانت لدى المربين خسائر كبيرة وعزوف عن تربية (الصيصان الأمات والبياض والفروج) ما قلل من الإنتاج، وحالياً ازداد الطلب عليه نتيجة ارتفاع أسعار اللحوم واقتراب العيد، وهي عوامل ساهمت بشكل كبير في ارتفاع الأسعار الحالية، وهنا بدأ المربون يجنون أرباحاً تعوضهم عن قسم من الخسائر السابقة، إذ كانت نسبة عمل المربين في الفترات الماضية حوالي 25% فقط، أما الآن فيوجد إقبال على تربية الدواجن لوجود الأرباح، مبيناً بأن العلف كان السبب الرئيسي في عدم استقرار أسعار منتجات الدواجن وارتفاع أسعار الذرة المستوردة.
الأعلاف وديوك الاستيراد
تعتبر الأعلاف من المدخلات الأساسية في الإنتاج وأسعارها هي الأكثر ارتفاعاً، فهي تسهم بما نسبته 80% دون التقليل من أثر باقي مستلزمات الإنتاج (مازوت_ فحم_ كهرباء_أدوية) على كلفة الإنتاج، ولحل مشكلة الأعلاف وافق رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 13/4/2023 على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة (تكليف مصرف سورية المركزي بتوجيه شركات الصرافة العاملة ضمن إطار لجنة التدخل بإيلاء الأولوية بالتمويل لمستوردي المواد العلفية لكمية 300 ألف طن من مادة الذرة الصفراء حاجة قطاع الدواجن لمدة 6 أشهر إلى حين بداية موسم الذرة المحلية ولكمية 200 ألف طن من مادة كسبة الصويا حاجة القطاع لنهاية العام 2023 وذلك للعقود التي سيتم إبرامها بشكل مسبق بين المستوردين والمؤسسة العامة للأعلاف بغية توفيرها في الأسواق المحلية بالسرعة الممكنة لإتاحتها لمربي الدواجن).
إن التوصية أعلاه لحل مشكلة الأعلاف لم تنعكس أثارها بشكل إيجابي على تحقيق الاستقرار في قطاع الدواجن ولم تؤدِّ إلى تحقيق انخفاضات في أسعار منتجات الدواجن (بيض_فروج) بل واصلت أسعارها الارتفاع بقفزات كبيرة، وذلك بسبب التحكم بأهم مدخلات الإنتاج في هذا القطاع من قبل بعض المستوردين المحظيين الذين سوف يستفيدون من التمويل الرسمي لعملية الاستيراد مع إضافتهم لهوامش الأرباح والإضافات الأخرى بذرائع العقوبات والحصار الاقتصادي.
ويناقض السعي الحكومي كذلك لامبالاتها تجاه الموسم الوافر للذرة الصفراء في العام الماضي، فقد قُدرت كمية الإنتاج بـ500 ألف طن وهي كمية تغطي نسبة كبيرة من حاجة قطاع الدواجن، إلا أن الشروط التعجيزية التي وضعتها مؤسسة الأعلاف لاستلام الذرة ومنها أن تكون مجففة رغم علمها بعدم وجود مجففات كافية للمحصول!! اضطرت الفلاحين إلى أن يقوموا بتجفيفها على قارعة الطرقات حيث أدى سوء الأحوال الجوية حينذاك إلى تعفّن جزء من المحصول وعدم توريد الكمية الكافية منه إلى مؤسسة الأعلاف ورضوخ المزارعين بالنهاية للتجار وبيعهم فائض محصولهم بأسعار مخفضة (1500ليرة/كغ).
وكان الواضح أن التشدد بالشروط والمواصفات التي وضعتها المؤسسة العامة للأعلاف لاستلام الذرة هدفه الضغط على المزارعين للتخلي عن هذه الزراعة لصالح أصحاب الأرباح من المستوردين المحظيين والتجار دون أخذ الاعتبار لمصلحة المزارع والمربي والمستهلك والاقتصاد الوطني.
بعض نتائج السياسات الحكومية في هذا القطاع
بحسب صفحة الإعلام الزراعي بتاريخ 27/4/2023 بلغت نسبة المداجن المستثمرة 38،27% وذلك خلال الربع الأول من هذا العام، وبلغ إجمالي المداجن المستثمرة في مختلف المحافظات 4530 مدجنة منها 3361 مدجنة مرخصة، بينما بلغ عدد المداجن المتوقفة عن العمل سواء مرخصة أو دون ترخيص 7306 مدجنة.
يتضح مما سبق أن ارتفاع أعداد المداجن المتوقفة عن العمل مقارنة بالمستثمرة جاء كنتيجة حتمية لغياب الدعم الحكومي لهذا القطاع وارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج فيه، الأمر الذي أدى إلى عزوف كثير من المربين عن الاستمرار في العمل في هذا القطاع الحيوي مما انعكس تراجعاً في كمية المعروض وبالتالي ارتفاعاً في الأسعار.
ختاماً
يعد قطاع الدواجن من القطاعات الاقتصادية التصديرية الهامة والمرتبطة كذلك بسلة غذاء المواطن، وهو بحاجة إلى دعم حكومي حقيقي لا خلّبي لمدخلات إنتاجه وخاصة الأعلاف عبر توسيع مروحة المستوردين لكسر الاحتكار وتحقيق المنافسة بينهم بما يسهم في تخفيض أسعارها، وكذلك حوامل الطاقة لتخفيض تكاليف الإنتاج وتحقيق هوامش ربح تسهم في استمرار عمل المربين والوصول إلى أسعار مقبولة تتناسب مع الدخول المنخفضة للمستهلكين، ويجب ألا يقتصر الدعم الحكومي إن وجد على المداجن المرخصة، بل يجب أن يشمل المداجن غير المرخصة أيضاً وإيجاد بدائل للمدخلات العلفية ودعم زراعة الذرة الصفراء، وذلك تشجيعاً للإنتاج فخسارة هذا القطاع تعني تدميره واللجوء إلى استيراد منتجاته (بيض_فروج) لاحقاً، وهو ما يبدو أنه الهدف الأول من كل هذه اللامبالاة الحكومية تجاهه وذلك تماشياً مع السياسات الليبرالية الهادفة إلى تدمير الإنتاج المحلي لصالح (ديوك) الاستيراد.