اعتراف أمريكي مفاجئ.. عالم ثلاثي القطبية!

د. صياح فرحان عزام:

يوم السبت العاشر من شهر حزيران الجاري، صرح رئيس هيئة الأركان الأمريكية مارك ميلي تصريحاً لافتاً، أعلن فيه عن وجود عالم ثلاثي الأقطاب، بوجود ثلاث دول عظمى في الوقت الحالي، هي الولايات المتحدة وروسيا والصين، ودول أخرى تنهض.. والأسئلة هنا: هل هو تصريح مفاجئ؟ وهل هو منقطع الصلة عن تطورات مرتبطة بالصراع الروسي مع حلف الناتو في أوكرانيا؟ وهل لهذا التصريح تداعيات على العلاقات بين هذه القوى الثلاث؟ وفي أي اتجاه؟

حسب وجهة نظر العديد من المتابعين للشؤون العالمية، أنه في واقع الحال، يميل تصريح ميلي إلى المفاجأة، بل يمثل اعترافاً كان كثير من المسؤولين الأمريكيين والغربيين يتجنبونه، وإن كان الغرب الجماعي يتعامل مع روسيا على أرض الواقع، أمنياً واقتصادياً وسياسياً على أساسه.

في هذا السياق، ومنذ بضع سنوات، كان الغرب يتحدث عن روسيا بلغة تنم عن تصغير ودونية، وعلى سبيل المثال في آذار عام 2014 وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بأنها (قوة إقليمية)، وبعد مضي شهر واحد على تصريح أوباما، وصفها السيناتور جون ماكين بأنها (محطة وقود تتنكر في شكل دولة)! وفي شهر أيلول من العام الماضي 2022 أعاد تقرير في صحيفة هاآرتس الصهيونية تصريحات أوباما من باب الموافقة عليها، وبنت قناة الحرة على تقرير الصحيفة الإسرائيلية استنتاجات تدعم توصيف روسيا وفقاً لما ذهب إليه أوباما وماكين، ولم يكن ناقصاً سوى القول إن روسيا ليست دولة أصلاً، بل (مزرعة يسكنها أشخاص)!

ما بين تصريحات ميلي وتوصيفات هاآرتس وقناة الحرة، تسعة أشهر فقط، ولكن ما بين التوصيف هناك واعتراف ميلي يلاحظ وجود استدارة قدرها مئة وثمانون درجة.

منذ سنوات تبنى سياسيون ومحللون أمريكيون وغربيون مواقف أكثر واقعية تجاه روسيا، ونظروا إليها في سياق حركي وناهض بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، واستلام بوتين للسلطة وسعيه إلى استعادة مكانة روسيا ودورها، بل إن بعضهم حذر من إطلاق تصريحات وتوصيفات مستفزة لروسيا تحت قيادة شخص مثل فلاديمير بوتين، بما يمثله من طموحات ورؤى عن مستقبل روسيا وعلاقتها بالغرب وعلاقة الغرب بها، وهو ما عبر عنه بوتين في مؤتمر ميونيخ الدولي الأمني عام 2007، حين حذر من سياسة توسع حلف الناتو شرقاً واقترابه من حدود روسيا.

لو كان تصريح أوباما قد صدر في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لكان في توصيفه بعض من الصحة، أو كلها، عندما سلم يلتسين روسيا للغرب، وخضع له، وألغى القرار الروسي، رغم أن أي توصيف يجب أن يرفق بشرطية (الوضع المؤقت)، لأن روسيا تمتلك مقومات الدولة العظمى بكل أبعادها، ولا يمكن أن ينطبق عليها توصيف مسؤول غربي يكرهها.

هناك مقولة مفادها أن (لكل زمان دولة ورجال)، فحين جاء بوتين إلى الكرملين في موسكو قادماً من عالم المخابرات السوفييتي، تأكدت هذه المقولة، ذلك أن التغيير لم يكن تغيير وجوه أو أشخاص، بل كان تغييراً جذرياً وبأدوات مختلفة تماماً، وكانت بداية الطريق لمعركة إعادة هيبة روسيا التي كانت العمود الفقري للاتحاد السوفييتي، ولم تكن فقط واحدة من خمس عشرة جمهورية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن عظمة أي دولة لا ترتبط بامتلاك الأسلحة التقليدية والنووية فقط، بل لها مقومات تاريخية واقتصادية وثقافية وسياسية وغيرها، وكل هذه المقومات مجتمعة تتوفر في روسيا.

إذاً، توصيفات بعض المسؤولين الغربيين لروسيا توصيفات عدوانية ومغرضة، وبعيدة عن الواقع والموضوعية، ورغبوية، تعبر عن أمنيات خبيثة، ولو كانت روسيا- كما هي التوصيفات الغربية التي جئنا على ذكرها، لما استطاعت أن تتبوأ هذه المكانة الرفيعة في العالم، ولما تمكنت من الصمود أمام حرب أطلسية غربية تخوضها أوكرانيا بالوكالة عن الناتو وبدعمه غير المسبوق لرئيسها  (الدمية الغربية الصهيونية).

العدد 1140 - 22/01/2025