محاولات لحصار روسيا والصين في مجالهما الحيوي!
د. صياح فرحان عزام:
تعمل الولايات المتحدة بكل قوتها وأسلحتها العسكرية والسياسية والاقتصادية في الحرب التي تخوضها أوكرانيا بالوكالة عنها، على محاصرة روسيا وإضعافها، أملاً منها في إلحاق الهزيمة بها، وهي لم تعد تخفي هذا الهدف، بل جادّة لتحقيقه، كي تحول دون أن يشاركها أحد في قيادة النظام الدولي الذي تعتلي عرشه منذ تسعينيات القرن الماضي عقب تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، ولدرجة باتت تعتبر هذا العالم ملكية خاصة لا شريك لأحد فيها.
وفي هذا السياق تعدّ جولة وزير الخارجية الأمريكية بلينكن التي قام بها إلى خمس دول في آسيا الوسطى، وهي أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وكازاخستان، محاولة واضحة ووقحة لتعزيز الوجود الأمريكي في هذه الدول، والسعي إلى إبعادها عن روسيا التي ترتبط معها بعلاقات تاريخية قديمة منذ أن كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، والتي أيضاً تعد في الوقت ذاته مجالاً حيوياً لروسيا وتربطها مع موسكو روابط أمنية واقتصادية واسعة ووثيقة.
وهذا الهدف الأمريكي لإبعاد الدول المذكورة عن روسيا- كما أشرنا قبل قليل- ليس الوحيد، بل هناك هدف آخر، وهو إبعادها عن الصين، إذ إن هذه الدول تربطها علاقات اقتصادية وسياسية مميزة مع جارتها الصين، لذلك فإن جولة بلينكن تشكل محاولة لاصطياد عصفورين بحجر واحد كما يقال، لعله يتمكن من إقناع قادة هذه الدول بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي (شريك يمكن الاعتماد عليه) كما أبلغ ذلك وزراء خارجية الدول الخمس خلال اجتماع معهم دفعة واحدة في ألما آتا عاصمة كازاخستان.
لكن الوزير الأمريكي يدرك تماماً أن هذه الدول الخمس وإن كانت تسعى إلى إقامة علاقات جيدة مع بلاده، إلا أنها لا تستطيع الخروج من حيزها الجغرافي وعلاقاتها التاريخية مع كل من روسيا والصين، ولن تغامر في وضع المصالح الأمريكية فوق مصالح الجارتين الكبيرتين، بسبب الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية التي تربطها بهما، وبالتالي فإن محاولة تعزيز المصالح الأمريكية في هذه الدول لن تكون على حساب كل من الصين وروسيا.
ومما يجدر ذكره أن الدول الخمس امتنعت مؤخراً عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدعو إلى ما أسماه القرار (انسحاباً فورياً) للقوات الروسية من أوكرانيا، هذا إضافة إلى أن هناك زيارات متبادلة بين قادة هذه الدول والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانت آخر زيارة في شهر تشرين الثاني الماضي، فقد قام رئيس كازاخستان قاسم جومارت بزيارة إلى موسكو، وأعاد فيها تأكيد (الشراكة مع موسكو)، كما أن الرئيس الصيني شي جي بينغ اختار العام الماضي التوجه إلى كازاخستان وأوزبكستان في أول رحلة خارجيه له بعد جائحة كورونا.
وهناك حدود مشتركة لكازاخستان مع روسيا يصل طولها إلى 7500 كم، بينما تبعد الولايات المتحدة الأمريكية عن كازاخستان آلاف الكيلومترات، لذلك فإن تفكير واشنطن وخططها لدق إسفين في العلاقات بين روسيا ودول آسيا الوسطى هو من قبيل الوهم والتمني لا أكثر، وكذلك الوضع بالنسبة لعلاقة هذه الدول مع الصين، وبوضوح أكثر فإن زيارة بلينكن لهذه الدول واجتماعه بوزراء خارجيته لن تحقق أهدافها العدوانية.
غني عن الذكر أن الولايات المتحدة استفاقت مؤخراً على أهمية هذه الدول التي أهملتها طويلاً، والتي كانت واشنطن تعتبرها (منطقة نائية) لا حاجة لها.
إذاً، وجدت الولايات المتحدة في الحرب التي تخوضها في أوكرانيا مع حلفائها الأوربيين فرصة مواتية للاستثمار في المواجهة الأمريكية لروسيا والصين، من خلال السعي لإغرائها بأساليب مختلفة وعزلها عن جارتيها، وبالتالي استخدامها في لعبة الصراع الدولي.
باختصار، مهمّة بلينكن صعبة بل مستحيلة.