مفردات في الصراع الروسي الأوكراني

د. نهلة الخطيب:

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية شهرها العاشر، وكانت بدأت في 24 شباط 2022 ولم تحسم لصالح طرف دون الآخر، تخللها الكثير من الأحداث والتداعيات السلبية التي عمت أنحاء العالم. وبالرغم من الدعم المادي والعسكري الذي تحصل عليه أوكرانيا من دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، والذي وصلت كلفته اليوم إلى ثمانية مليارات دولار، والمقاومة العنيفة من قبل الأوكرانيين، نجد أن روسيا تسيطر في الميدان وما زالت تمتلك تفوقاً عسكرياً جوياً وبحرياً، وعندما وجدت روسيا أنه لا يمكنها السيطرة على العاصمة كييف وإسقاط النظام فيها وأن دخولها سيكون بمثابة مستنقع للجيش الروسي وتقويض للدولة الروسية، تراجعت وعدلت الخطة إلى تقسيم أوكرانيا وضم مقاطعات لها لتصبح جزءاً من روسيا، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا ولن يقبل بالهزيمة في أوكرانيا مهما كلف الأمر، وهو يخوض حرباً مصيرية جيوسياسية لن تتوقف حتى تتحقق أهدافها ليس فقط في أوكرانيا، بل في مواجهة أحادية القطب الأمريكية وخلق دور لروسيا في عالم متعدد الأقطاب. والولايات المتحدة الأمريكية لم تدخل الحرب بشكل مباشر مع روسيا بعد هزيمتها في العراق وأفغانستان، وإنما مارست نظام الحرب بالوكالة حتى لا تستنزف جيشها واقتصادها، وفي الوقت نفسه سيرتد عليها بالمنفعة من إبرام صفقات الأسلحة لتزويد الحرب، فعملت على الحشد له بالموارد والحلفاء من ما يقارب خمسين دولة لتوفير الدعم بأشكاله لأوكرانيا، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على روسيا، والتي كان لها تداعيات كارثية على اقتصاد العالم عامة وأوربا خصوصاً: تصاعد أسعار الطاقة، وارتفاع معدل التضخم، وتضاؤل القوة الشرائية، وارتفاع أسعار السلع، وتفاقم الفقر وما له من آثار اجتماعية وسياسية كبيرة تجلت في تمدد الحركات الشعوبية واليمين المتطرف في انتخابات إيطاليا والسويد وفرنسا.

وفي إطار الحزمة التاسعة من العقوبات التي فرضتها الدول السبع الصناعية والاتحاد الأوربي ضد روسيا، وُضع سقف لسعر النفط الروسي المنقول بحراً عند 60 دولاراً للبرميل، وسيحظر قرار سقف الأسعار على شركات دول مجموعة السبع التعامل مع التأمين أو إعادة التأمين أو تمويل تجارة النفط الخام الروسي إلى دولة ثالثة مالم تلتزم بالسقف المفروض، وخلال أيام معدودة سيتم تطبيق القرار وسيتوقف الاتحاد الأوربي عن شراء النفط الروسي المنقول بحراً، وأي منتجات نفطية، وبهذا سنكون أمام سابقة لم تحدث أن فُرضت على دولة بحجم روسيا لها تأثير كبير في الأسواق العالمية، وهي جزء من البنية التحتية للطاقة للاتحاد الأوربي، وتختلف عن كل الدول الأعضاء في الأوبك من حيث قدرتها الإنتاجية الهائلة.

لا أحد يعرف كيف ستسير الأمور، وخاصة أن هناك تعارضاً بين تحديد سقف لسعر النفط عن قيم السوق الحرة في أوربا، وهدف هذه الخطوة هو التأثير على مجريات المعارك في أوكرانيا، وهي إجراء سياسي ولا يستبعد الشق الاقتصادي منه، ولكن هناك الكثير من المعوقات التي تجعل هذا الشيء غير واقعي، أولها أنه لا يوجد أحد قادر على تعويض الكميات التي تصدرها روسيا وتقدر بـ4 ملايين برميل، وهناك أسواق بديلة للنفط الروسي منها الصين والهند ودول آسيوية أخرى وسوف تستمر بشراء النفط الروسي، وفي قرار أوبك بلس اليوم الأحد على إبقاء مستوى إنتاج النفط عند مستوياته الحالية عبر تخفيضه بمقدار مليوني برميل يومياً، وهي محاولة للحد من آثار تشديد العقوبات المفروضة على روسيا، وللحفاظ على استقرار السوق وحمايته من الركود، خاصة بعد قرار الصين كوفيد0 والمتوقع تخفيض حاجاتها النفطية.

الولايات المتحدة أعلنت دعمها لهذا القرار، البعد الاقتصادي يتناسب ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية والدول المستوردة إذا تم بيع النفط بسعر رخيص وبالتالي انخفاض الأسعار عموماً، وحسب وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين فإن هذا القرار سيفيد البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل والتي تحملت أعباء التضخم وأزمات الطاقة والغذاء.

رد روسيا على هذه الخطوة كان أنها لن تلتزم بوضع سقف لسعر النفط، وستوقف عمليات الإمداد للدول التي ستؤيد هذا القرار، وسيكون له ثمن سيدفعه مواطنو هذه الدول، ويفترض أن روسيا مستعدة لمثل هذا القرار، فالاقتصاد الروسي قوي وقد استفادت روسيا من الحرب بسبب ارتفاع أسعار الغاز عالمياً، وهي التي تملك ربع المخزون العالمي منه. لم تنجح العقوبات الاقتصادية في رد الحرب وإيقافها، أو في شلّ اقتصاد روسيا، بل على العكس كان تأثير العقوبات سلباً على أوربا وشللاً وتضخماً في اقتصادها، وأثرت على رفاهية شعوبها، وبالنهاية ستكون الغلبة للأقوى عسكرياً واقتصادياً، ففي لعبة الأمم لا يكون الكبار من الخاسرين، وإنما الخاسر هي الدول الضعيفة التي تمارس حروب الوكالة: (تقسيم، وتشرّد، وفقر…)، وما أخشاه أن يجري التفاوض وتكون المقايضة على ملفات ساخنة في المنطقة بداية تنسيق استراتيجي لهدنة واقتسام الكعكة، وطبيعي أن يصبح العالم بعد الحرب مختلفاً عنه ما قبل الحرب.

العدد 1140 - 22/01/2025