الحزب الشيوعي الصيني في مؤتمره العشرين: الالتزام بالمرجعية الفكرية والنضال لبناء الدولة الاشتراكية
د. سامي أبو عاصي – بكين :
على مدار الأشهر الماضية كان التحضير للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني محطّ اهتمام بالغ على المستويين الداخلي والخارجي. ومع اقتراب انعقاد المؤتمر تسارعت وتيرة التكهنات حول ما سيحمله المؤتمر وما هي البرامج التي سوف يخرج بها. الحزب الذي احتفل في السنة الماضية بمرور مئة عام على تأسيسه، بدا في حفل الافتتاح لأعمال مؤتمره، منضبطاً، هادئاً، واعياً لمجمل التحديات الداخلية والخارجية، مُمسكاً بزمام الأمور.
في كلمته أمام المندوبين الذين تجاوز عددهم ألفي مندوب والممثلين لأكثر من 97 مليون شيوعي صيني، أكد الأمين العام للحزب ورئيس البلاد تشي جينغ بينغ أن الماركسية ما تزال المرجعية الأساسية التي يستند إليها الحزب، مُشيراً إلى أن الجواب عن سؤال لماذا أضحى الحزب الشيوعي الصيني حزباً كفؤاً يعود بالتحليل النهائي إلى كفاءة الماركسية وكفاءة الماركسية المصيننة والمعصرنة، وأضاف إن الشيوعيين الصينيين قد أدركوا بصورة عميقة أنه لا يمكن الإجابة الصحيحة عن أسئلة خطيرة طرحها العصر والممارسة، ولا يمكن الحفاظ إلى الأبد على الحيوية الجياشة والنشاط الوهاج للماركسية، إلا بدمج المبادئ الأساسية للماركسية مع الواقع الملموس الصيني والثقافة التقليدية الصينية، والمواظبة على استخدام المادية الجدلية والمادية التاريخية.
ولم ينكر رئيس البلاد أنه رغم المسيرة العظيمة التي خاضها الحزب والمنجزات التي حققها على مدار العقود الماضية، إلا أنه ما يزال هناك بعض النواقص. وتواجه البلاد عدد غير قليل من الصعوبات والمشاكل، ومن أهمها عدم توازن التنمية وغياب كفايتها، وما زال هناك عقبات في دفع التنمية العالية الجودة. وأشار إلى أن هناك فجوة كبيرة نسبياً في التنمية وتوزيع الدخل بين الحضر والريف، وبين مختلف الأقاليم، وهناك صعوبات غير قليلة في التوظيف والتعليم والخدمات الطبية وحضانة الأطفال ورعاية المسنّين والسكن.
أما الجانب الأخر الذي بدا فيه واضحاً وشفافاً وهو المتعلق بملف الفساد. فقد بيّن أن الحزب يتبع القاعدة التي تقول من الأفضل أن نغضب الآلاف (في إشارة إلى الفاسدين) بدلاً من أن نخيب أمل المليار والأربعمئة مليون نسمة. مؤكداً أن الآلية التي اتبعها الحزب في محاربة الفساد طالت أعلى المستويات، مستخدماً المصطلح الذي بات رائجاً في أدبيات الحزب: ضرب النمور والذباب وصيد الثعالب. منبّهاً أن الحزب يريد أن يمضي في هذا المجال مركزاً على أن أحد أشكال محاربة ظواهر الفساد اليوم تتجلى بمنع الكوادر القيادية من أن تصبح متحدثة ووكيلة لمجموعات مصلحية وجماعات نفوذ، أو تواطؤ الأوساط الحكومية مع رجال الأعمال، ما يضر بالبيئة السياسية وبيئة التنمية الاقتصادية.
ولقطع دابر الشك المتعلق بموقف الصين حيال استعادة تايوان، فلقد أوضح الرئيس الصيني أنه وحتى الوقت الحاضر فإن الصين ما زالت ملتزمة بنهج (التوحيد السلمي ودولة واحدة ونظامان) فهو الأكثر ملاءمة للتوحيد بين جانبي المضيق، فالخيار السلمي تدعمه الحقيقة القائلة إن المواطنين على جانبي المضيق تربطهم وتجمعهم رابطة الدم. وبناء على هذا القاعدة فإن حل مسألة تايوان من شؤون الصينيين أنفسهم. ولكن صلاحية الحل السلمي قد تنتهي إذا كان هناك تدخل من القوى الخارجية، أو في حال تطورت أنشطة الأقلية الضئيلة من الانفصاليين الداعين لاستقلال تايوان، عندئذٍ لا يمكن للصين أن تتعهد بالتخلي عن اللجوء إلى القوة، ولكن هذا سوف يكون موجهاً للانفصاليين وليس موجهاً ضد المواطنين في تايوان. وقد أنهى الرئيس الصيني توضيحه لهذه القضية الرئيسية بالقول: إن عجلة التاريخ لتوحيد الوطن ونهضة الأمة تندفع إلى الأمام، فلا بد أن يتحقق التوحيد التام للوطن الأم، وسيتحقق بكل تأكيد.
لقد خرج المؤتمر بقيادة طغى عليها عنصر التجديد. التجديد الذي أتى مُرفقاً بإشارة للداخل و للخارج بأن النهج الذي سار عليه الحزب منذ المؤتمر الثامن عشر للحزب هو الذي سوف يستمر في الفترة القادمة، هذا النهج الذي كرسه الرئيس الحالي منذ ذلك المؤتمر، والقائم على أنه ولى زمان الحياد في اللعبة الدولية، وأنه كما صمد التنين الصيني في المواجهة الخارجية، فإنه لن يسمح بأن يُستهدف من بوابته الداخلية، ومن أجل استمرار كل ذلك فإن الحفاظ على الحزب قضية جوهرية، وكما أشار الرئيس شي جينغ بينغ فإن الحزب هو مفتاح القضية لبناء دولة اشتراكية حديثة ودفع النهضة العظيمة للأمة الصينية، وهذا يستلزم أن يحافظ الحزب على يقظته وثباته دائماً لحل المشاكل المستعصية، ومن أجل كسب تأييد الشعب وتوطيد مكانته في الحكم الطويل المدى .