هل يحتاج المواطن السوري حقاً إلى تنظيف لسانه؟
ريم سويقات:
ما تزال الحكومة حريصة على بناء المواطن السوري وفق مقاييس اختارتها لتناسب مصالحها، فما إن انتهت من عملية تنظيف معدته (مجبراً) من الدسم والبروتينات والفيتامينات وبقائه الأملاح المعدنية فيها، إذ لم يعد قادراً على تحمّل تكاليف تلك المواد وغيرها نتيجة الغلاء الجنوني للأسعار، تلجأ الحكومة اليوم وتعمل على تنظيف لسانه أيضاً من أي شتيمة يلقي به على قرارات حكومية تثقل كاهله، وذلك في إطار تعديل قانون الجرائم الإلكترونية قيد الدراسة، وتطول التعديلات الجديدة العقاب بالسجن ودفع غرامة مالية تحدد حسب الإساءة.
ما إن يجد المواطن السوري متنفساً يعبّر به عن غيظه المكتوم، ويشبع فاقته وحرمانه ولو نفسياً بأن يقول كلمات (تخدش الحياء العام)، ولكنها تداوي جرح فقره، حتى يجد حكومته تكبحه بتهديده بالعقاب، وكأن المشكلة في ألفاظه وليست في أعمالها التي جعلته يعاني ويفرغ عن حالته بالسباب.
إن حال الشارع السوري اليوم في حالة غضب، لا تكاد تمشي خطوتين في الشارع إلّا وتسمع الناس يتحدثون عن وضعهم المعيشي، وعجزهم عن علاج مرضاهم بغضب ويأس مستخدمين ألفاظاً تخجل من يسمعها، بينما ترى البعض الآخر من كثرة ألمه وفقره قد تخدّر حتى تجده يلقي بالسباب على الكبير والصغير ويرفقها بضحك متواصل.
إن هذه الشتائم لم تعد تقال في الحالات الصعبة والحرجة التي تستثير الإنسان للتلفظ بها ليفجر عن غضبه فقط، بل أصبحت متداولة بكثرة في الآونة الأخيرة، وأغلب أنواع الشتائم المتداولة إن لم يكن جميعها تخدش الحياء، لتوجيه إهانة كبيرة نحو أفعال معينة أو مواقف أو أشخاص، توازي شعور العجز الكبير الذي ينتاب قائلها.
ولتفسير ذلك بشكل أوضح حسب الأبحاث العلمية وجدنا أن:
(من يستخدمون الشتائم ويطلقونها يتمتعون بنفسية مرتاحة جداً، لأنهم يقذفون بكل طاقاتِهم السلبيةِ إلى الخارج عبر التلفظِ بالكلمات السيئة، إضافة إلى أن الغضب والشعور بالألم في الشخص الطبيعي يولّد لديه طاقة سلبية داخلية تجعل الشخص يشتم أو يقوم بأمور غير مقبولة، والضغط يولّد الانفجار الداخلي والخارجي، مؤكداً أنه عند الانفجار الداخلي، تقل مستويات الدوبامين والسروتينين ويزيد الأدرنالين ويضغط على أوعية الجسم كلها، ومن الممكن أن ينتج عن ذلك صداع وزيادة ضربات قلب وشد عضلات الرقبة والقدم.
يلجأ الشخص إلى السباب لكي يتخلص من مضاعفات الموقف إذا ما حدث التنفيس، ويحدث بناء عليه نوع من الانفجار الخارجي).
رغم الفوائد النفسية التي قدمتها الأبحاث العلمية، إلا أن سلبياتها تشير نحو الاتجاه إلى تدهور خلقي، وذلك مبرر نتيجة ما أفرزته الحرب وما افرزته القرارات الحكومية أيضاً من آثار كارثية للمواطن الذي يعمل ليل نهار ولا يمكنه اللحاق بمتطلبات الأسرة من الطعام البسيط فقط.
إن المشكلة لا تكمن هنا فقط بل تكمن في معالجة الحكومة لتلك المسألة، فبدلاً من تسهيل سبل العيش على مواطننا، ضيقت الخناق عليه أكثر. وستكتم على أنفاسه إذا ما طبق ذلك القانون، ومن حينها لليوم ومواطننا يبحث عن مخرج آخر يستطيع أن يتنفس به.
ما زال بإمكانكِ يا حكومتنا الموقرة تمكين مواطننا من التنعم بيومين دون سباب. دعوه يشعر بالطمأنينة، خففوا من توتره بتقليص معاناته اليومية. حينئذٍ سيكون المواطن نظيف اللسان والقلب ليدعو لكم بطول العمر.
دام عزّكم، أيّها السادة، ما رأيكم!؟