مشروع قانون الجريمة المعلوماتية.. العصا لمن انتقد!

صفوان داود:

قبل بداية هذا العام بأيام قليلة نشر موقع وزارة الاتصالات السورية مشروع (تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية)، ويتألف نص المشروع من 47 مادة.

الصورة العامة لهذا المشروع هي التوسع في نمط العقوبات المتعلقة بالنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي شدّة هذه العقوبات. ومن أهم ما جاء به المشروع ما تضمنته المادة 8 (أن الامتناع عن حذف محتوى رقمي غير مشروع أو تعديله أو تصحيحه، يعرّض صاحبه للسجن من 3 أشهر إلى سنة، وغرامة من 2 مليون إلى 5 ملايين ليرة). ولا يُعرف هنا ما هي ضوابط حيثية هذه الـ(غير مشروع).

كما جاء فيه أيضاً: (يعاقب بالسجن المؤقت من 3 إلى 5 سنوات وغرامة من 2 إلى 4 ملايين ليرة سورية، كل شخص أو جهة نشرت أخباراً كاذبة على شبكة الإنترنت من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية وإثارة الرأي العام). هنا أيضاً لم يُحدَّد تحديداً واضحاً ما بين مصطلح (المساس) وحرية التعبير المنصوصة عليها في الدستور السوري كحقّ أصيل لكل مواطن سوري. ثم ما هي (هيبة الدولة)؟ هذا المصطلح المخيف والمحفور في ذاكرة السوريين منذ ستينات القرن الماضي. إن أي تعريف لها يجب أن يزيل عنها هذا الإرث التاريخي، وأن يشير بشكل ما إلى أن هيبة الدولة هي من هيبة احترام مواطنيها ومتطلباتهم، والسماع لنقدهم أو انتقاداتهم حتى لو كانت لاذعة. وورد في مشروع القانون أيضاً: (السجن من سنة إلى 3 سنوات وغرامة من 500 ألف ليرة إلى مليون ليرة سورية، لكل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أمر على الشبكة ينال من شرف موظف عام، أو كرامته في معرض ممارسته لوظيفته). مرة أخرى لا تُذكر بوضوح ما هي ضوابط التعرض للموظفين. هل مثلاً انتقاد ضابط نافذ لكنه فاسد في الأمن العام أو الجمارك وهو على رأس عمله يعدّ جريمة؟

تضمن مشروع القانون بنوداً حول القدح والذم: (يعاقب بالسجن من شهر إلى 3 أشهر والغرامة 200 ألف ليرة سورية، كل من اقترف القدح أو التحقير بأحد الأشخاص، بشكل غير علني بوساطة وسيلة إلكترونية على الشبكة، وتشدد العقوبة إلى الحبس من شهرين إلى ستة أشهر والغرامة 500 ألف ليرة، إذا اقترف القدح أو التحقير بشكل علني). وليس بالإمكان التحديد هنا في هذا البند معنى (غير علني)، إذ يمكن لشخص صدح بأغنية (قدّك الميّاس) أمام سيدة أن تودي به الى السجن بتهمة التحرش غير العلني، وهذا من الأمثلة التي لا حصر لها حول عدم الوضوح.

وكان مشروع قانون (مكافحة الجريمة المعلوماتية) الذي أعدّته (وزارة الاتصالات) قد قُدّم إلى مجلس الشعب، وإنه في حال إقراره سيلغى المرسوم التشريعي رقم 17، لعام 2012، الساري حالياً. غير أن ما ورد من أعضاء اللجنة المشتركة من اللجنة الدستورية ولجنة الإعلام في مجلس الشعب المنوط بهم مناقشة هذا المشروع أنهم ماضون في إقراره. وقالت مقررة لجنة الشؤون التشريعية والدستورية داخل مجلس الشعب السيدة غادة إبراهيم إن اللجنة وجدت أن المشروع من خلال دراستها ليس مخالفاً للدستور)؟! هكذا يقررون ببساطة أنه ليس مخالفاً، دون استشارة أي طرف قانوني أو أكاديمي مختص، وأكثر من ذلك دون الأخذ بعين الاعتبار رأي القاعدة الشعبية التي يمثلونها، ولو من باب التظاهر، مؤكدين بممارستهم تلك أنهم ليسوا سوى (بريستيج). المفترض أنهما أقوى لجنتين في النقاش، لكنهم لا يستطيعون أو بالأحرى لايتجرؤون على مناقشة المواطنين في الإعلام الرسمي علناً حول تفاصيل القانون، لأنهم ببساطة لن يتمكنوا من إقناع الرأي العام بهذا المشروع المثير للسخرية؟! والناس ليست بهذه البساطة أو الضحالة حتى لا ترى الاستنسابية والضبابية في بنوده وفقراته، وهول خطورة هذا المشروع في قدرته على إلحاق الأذى والظلم بمن يستخدم وسائل التواصل. ولا بند من بنوده استطاع رسم الحدود الفاصلة بين النقد والذم أو بين الشتيمة والتعبير عن القهر أو بين وجهة النظر والتحليل.

وكان عضو مجلس الشعب السابق نبيل الصالح قد انتقد المشروع الحالي معتبراً أنه (يحمي تجار الحرب). وقد أيّده في ذلك عدد كبير من المواطنين ومن أصحاب التخصص في هذا الشأن. غير أن الحكومة السورية دافعت عن هذا المشروع على لسان وزير الاتصالات والتقانة إياد الخطيب، الذي أرجع الأسباب الموجبة للمشروع إلى (تطور الخدمات الإلكترونية المقدمة من الدولة وضرورة تطوير الحماية القانونية لها، والحاجة إلى وضع تنظيم قانوني للخدمات الإلكترونية الجديدة المقدمة للجمهور، إضافة إلى إعادة التأطير القانوني لمفهوم الجريمة المعلوماتية).

إن ما يحصل حقيقةً هو (إسقاط أمني) على مشروع تشريعي قانوني برلماني، معتقدين أن الحلول الأنسب، كما هي في جميع مجالات الحياة لدينا هي بهذه الطريقة: الحل الأمني، الأمني فقط، وهم غير عالمين ولا يريدون أن يعلموا أنه مع مصادرة الحرٍيات وملاحقة أصحاب الرأي والرأي الآخر، تصبح الحياة بشتى نواحيها صحراء قاحلة، الشعب فيها ليس إلا رعايا، لا يعرف ولا يحقّ له مناقشة حقوقه، وكأننا بذلك نعود إلى القرون الوسطى وفق الخط الزمني لتطور الدولة والمجتمع.

نأمل أن تُعاد قراءة هذا المشروع وأن يُعرض على الرأي العام، لما فيه من مساس بحرّية المواطن وقدرته الفطرية على تلمّس الأخطاء وتسليط الضوء عليها.

 

العدد 1140 - 22/01/2025