الملف النووي الإيراني.. إلى أين؟
موسى الخطيب:
تقود الولايات المتحدة الأمريكية حملة دولية محمومة، ضدّ التوجه الإيراني النووي، تتضمن دعماً وتأييداً مطلقَين للصهاينة.
وقد تحولت عملية التصدي والحيلولة دون وصول إيران إلى قدرة نووية وتحديداً منذ عام 2003 إلى شغل شاغل لصانعي القرار الصهيوني، كما أصبحت مدار بحث وتدقيق تجريه مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية لدى الصهاينة، إذ يرون في البرنامج النووي الإيراني خطراً شديداً على أمنهم، وهم يوقنون أن هذا البرنامج يحتل المرتبة الأولى في قائمة التهديدات الخارجية التي تواجه الصهاينة، في ظل تراجع الوزن النسبي لتهديدات العرب العسكرية، وانسحاب بعضهم من عملية التعبئة ضد ذلك الكيان إلى المرتبة الثالثة.
وقد جاء مؤتمر الرياض 2017 الذي ضم الولايات المتحدة الأمريكية إلى خمس وخمسين دولة عربية وإسلامية ليرسم هذا المحور الذي أعلن عن ولادته آنذاك، بدعوى محاربة الإرهاب المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وحركة حماس في فلسطين، وحلفاء إيران في المنطقة، كحزب الله اللبناني، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن، والمعارضة الشيعية في البحرين، وبدعوى التصدي لإيران باعتبارها تشكل الخطر الداهم الرئيسي والمباشر على المصالح العربية.
ويعمل هذا المحور على إعادة صياغة المعادلات السياسية والتحالفية في المنطقة وترتيب أولويات الصراع.
وبدلاً من أن تكون إسرائيل هي العدو الرئيسي التي يجب تحشيد القوى في مواجهته من بوابة مواصلة المقاطعة السياسية والاقتصادية، ومكافحة التطبيع ودعم الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال، تصبح إيران وحلفاؤها هم الخطر الذي يجب التصدي له.
لذلك لا غرابة أن تلجأ بعض الدول في هذا المحور (السعودية) إلى تغليف مواقفها السياسية الملتحقة بالسياسة الأمريكية والمتحالفة معها بعبارات دينية ومذهبية، كالحديث عن الصراع السني- الشيعي، فهي تملتحف بالغطاء الديني لتموّه على حقائق سياساتها.
من بين الاعتبارات التي تدفع الصهاينة إلى منح إيران المكانة الأولى في سلم التهديدات نهجُها الإسلامي الراديكالي الذي يدعو إلى إزالة إسرائيل من الوجود، والتعاظم العسكري الذي بلغته ممثلاً برادع جوي، مع قدرة هجومية بعيدة المدى لقاذفات حربية من نوع سوخوي يمكن تزويدها بالوقود جواً، وذراع بحرية بعيدة المدى ذات قدرة على إغلاق طرق تصدير النفط من الخليج، وقدرة على تنفيذ عمليات إنزال برمائية، وذراع استراتيجية لصواريخ أرض_ أرض بعيدة المدى ويمكن لها أن تضرب العمق الصهيوني.
لا شك أن الصهاينة يرون أن إيران تشكل تهديداً وخطراً وجودياً عليهم.
هذه الرؤيا تتأتى من القراءة الصهيونية لمكانة إيران وموقفها، ولطبيعة التكوين السياسي الفكري فيها.
الموقف الأمريكي المتصاعد ضد إيران والقرارات الاقتصادية الظالمة بحقها جاءت لتحقيق:
1- الأمن والاستقرار للعدو الصهيوني وهو الأولوية في سلم سياستها.
2- عدم الإخلال بميزان القوى في المنطقة وبقاء التفوق المطلق للعدو الصهيوني وله الأفضلية في ذلك.
3- تعتبر أمريكا أن امتلاك إيران لهذا السلاح هو تهديد مباشر لأمنها وأمن العالم.
لذلك يبذل العدو الصهيوني كامل طاقاته السياسية لتشكيل حلف ناتو عربي ضد إيران، وهناك خيارات مطروحة أمام الصهاينة لمواجهة الخطر الإيراني:
1- الضربة العسكرية: في إطار الضربة العسكرية للمنشآت والمواقع النووية الإيرانية، هناك أصوات متصلة بالقرار الصهيوني يصدر عنها ما يفيد حضور الحسم العسكري للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، إلا أنه يجري ربط هذه الدعوات في سياق وصول الضغط الدولي على إيران إلى نقطة الفشل.
وفي إطار سيناريو الضربة العسكرية نفسها يمكن ملاحظة أصوات صهيونية تتمنى بل وترغب في أن تقوم أمريكا بعملية عسكرية ضد إيران. وعلى الرغم من عدم وجود مباشرة في الطرح لدى هؤلاء إلا أن مثل هذه الإشارات تكثر خصوصاً لدى الحديث عن المصاعب الميدانية التي تعترضهم في حال وصلت إيران إلى نقطة حاسمة، بعد فشل الجهود الدبلوماسية حالياً في أوجها.
الأسلوب الدبلوماسي
الأسلوب الذي تفيد المؤشرات بأنه المعتمد لدى العدو حتى الآن يقوم على تراجع العدو إلى الخلف ومساندة الضغوط الدولية، والأمل بأن تنكبح إيران بنتيجتها وتوقف برنامجها النووي، وفي الوقت نفسه يعمل الصهاينة على جملة من المطالب التي تسهم في مواصلة الضغوط وتصعيب الموقف الإيراني، ويمكن أن نشير إلى جملة منها:
– إظهار المشكلة النووية والصاروخية الإيرانية كمشكلة لمجموعة من الدول، بهدف إشراك دول عربية وآسيوية وأوربية ووضعها في الجهة المقابلة لإيران وإلى جانب الصهاينة كمتضررين ومهددين بدءاً من الدول العربية خصوصاً دول الخليج وانتهاء بدول أوربية.
– استغلال جملة من التقارير الإعلامية الأجنبية التي تتحدث عن أن الصهاينة سيحضرون لتفعيل الخيار العسكري على شاكلة ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981 في إطار الضغط والحرب النفسية على إيران.
وأن الساحة الدولية مستعدة للسير بعيداً في فرض العقوبات ولن ترفعها حتى تكف إيران عن سعيها النووي، وإذا ما انغلق الطريق السياسي فستدفع أمريكا وإسرائيل إلى استخدام القوة كي تشوشا وتعرقلا السباق الإيراني نحو السلاح النووي.
وخلاصة القول: إن إيران تتشبث ببرنامجها النووي وترفض التنازل عما وصفته بمنجزات علمية، وتعلن سلمية البرنامج، بينما العدو الصهيوني قد وضع هذا الملف قرب أنفه ونصب عينيه، وهو يرى فيه تهديداً مباشراً لوجوده وأمنه.
من هنا عمل العدو بكل الوسائل ووظف تحالفاته الإقليمية والدولية لعزل إيران ومحاصرتها من أجل ردعها عن المضي في برنامجها النووي.
وفي الوقت الذي يستشف أن العدو يعمل على الخيار السياسي إلا أنه من الصعب القول إنه لن يقدم مستقبلاً على خطوات عسكرية، وخصوصاً في حال وصلت فيه المساعي الدبلوماسية الدولية لإيقاف المشروع النووي لإيران إلى طريق مسدود، وتأكد له أن الولايات المتحدة الأمريكية لا نية لديها لتنفيذ ضربة عسكرية ناجعة للجم الطموحات النووية الإيرانية.