التجربة النووية الكورية الديمقراطية وتبعاتها

أجرت كوريا الديمقراطية الأسبوع الماضي (12/2/2013) تجربة نووية جديدة تكللت بالنجاح التام، واحتفل على إثرها الشعب في مدنه كافة، وبضمنها العاصمة بيونغ يانغ، بهذا الإنجاز التقني الذي وصفه العلماء والمختصون بالقفزة النووية في برنامج بلادهم.. وقد أثارت هذه التجربة خلافاً لسابقاتها ردود فعل دولية متباينة شملت أصدقاء كوريا الديمقراطية وأعداءها أيضاً.

التجربة التي تمت في شمال شرقي البلاد (منطقة كيلجو) وقدرت قوتها بستة إلى سبعة كيلوطن، وأحدثت انفجاراً بلغ خمس درجات على مقياس ريختر، هي الثالثة بعد تجربتَيْ عامَيْ 2006 و2009، واعترف الخبراء الأجانب بأنها تجربة نووية ناجحة (خلافاً لتقديراتهم التقنية حول التجربتين السابقتين).

وأعلنت بيونغ يانغ أن هذه التجربة تمثل نقلة نوعية في مجال امتلاكها للقدرات النووية، وأن على العالم أن يتعامل معها على هذا الأساس، وأن إنجازها التقني في المجال النووي هدفه تعزيز القدرة الدفاعية لكوريا الديمقراطية، ويؤكد فشل سياسة العقوبات الاقتصادية والحصار (الدولي) المفروض عليها منذ عقود من جهة، وأنها تمت بجهود وإمكانات كورية بحتة من جهة ثانية.

وكانت كوريا الديمقراطية قد أبلغت سلفاً كلاً من الصين حليفتها الاستراتيجية، وكذلك الولايات المتحدة عدوها الأول، عزمها على القيام بهذه التجربة، وهذا ما اعترفت به المتحدثة باسم البيت الأبيض فيكتوريا نولاند، وأرادت من خلال هذا الإبلاغ المسبق (شرعنة) ما أقدمت عليه، وستقدم عليه لاحقاً.. وأعلنت في رد على التصريحات الأمريكية المختلفة، ما قاله مندوب بعثتها في جنيف جون يونغ بأن (هذه التجربة النووية ليست سوى خطوة أولى، راعينا فيها أكبر قدر من ضبط النفس.. لكن إذا أصرت الولايات المتحدة على تعقيد الموقف بعدوانيتها المستمرة منذ عقود، فلن يبقى لنا خيار سوى القيام بجولات أخرى).

وإذ تمثل هذه التجربة من وجهة النظر الكورية الديمقراطية إنجازاً علمياً أولاً، وتعزيزاً لقدراتها الدفاعية ثانية، فإنها تضع الدول المناوئة لها والمشاركة في حصارها وفرض العقوبات عليها أمام مأزق حول كيفية التعامل مع دولة نووية.. كما أن ردود الفعل تجاه هذه التجربة اختلفت أيضاً من مواقف الدول الصديقة أو المعادية السابقة. وأظهرت ردود الفعل هذه والتصريحات الرسمية حول هذه التجربة النووية حقيقة مواقف الكثير من الدول تجاه كوريا الديمقراطية من جهة، والخشية من امتلاكها لهذه القدرات، وانعكاساتها على كيفية التعاطي معها من جهة ثانية.

فخلافاً لتجربتي كوريا الديمقراطية النوويتين السابقتين، اجتمع مجلس الأمن الدولي على جناح السرعة ل(معالجة) تبعات هذه التجربة. وأكد أعضاء المجلس أنهم (يُدينون بشدة هذه التجربة، التي هي انتهاك خطير لقراراته السابقة حول الملف النووي الكوري الديمقراطي). وذكَّر البيان بالتحذير الذي أعلنه في كانون الثاني الماضي، باتخاذ إجراء (كبير) في حال أجرت كوريا الديمقراطية تجربة جديدة (انسجاماً مع هذا الالتزام، وفداحة هذا الانتهاك فإن أعضاء المجلس سيبدؤون العمل فوراً على وضع الإجراءات المناسبة في إطار مجلس الأمن). ورغم (قساوة) هذا البيان، فإننا نشير هنا إلى أنه لا يعني قراراً ملزماً يفترض تنفيذه، أو قراراً يندرج في إطار البند السابع، الذي ينص على فرض عقوبات دولية جماعية وصولاً إلى الحصار والعزلة.. كما أنه لم يأت على ذكر مباشر للعقوبات التي طالبت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وإنما أظهر ازدواجية تعاطي المجلس بوصفه مرجعية دولية مع هذه التجربة وملف كوريا الديمقراطية عموماً.

ونقارن هنا وبوضوح كيفية تعاطي المجلس مع الملف النووي العسكري الإسرائيلي، وامتلاكها للسلاح النووي، حتى إن الكثير من الخبراء الدوليين باتوا يصنفونها بالدولة الخامسة نووياً في العالم.. كذلك الحال تجاه امتلاك دول أخرى للقدرة النووية، وبضمنها السلاح النووي (الهند وباكستان) مثلاً.

هذا في الوقت الذي تفاوتت فيه ردود فعل الدول المختلفة تجاه هذه التجربة، سواء من أعداء كوريا الديمقراطية أم أصدقائها، ولكل أسبابه وتبريراته.

فقد أكدت إيران ضرورة أن (لا تمتلك أية دولة السلاح النووي)، وأعلنت الصين عن معارضتها الشديدة للتجربة، لكنها لم تضمِّن إعلانها أي انتقاد أو إدانة، بل دعت إلى استئناف مباحثات اللجنة السداسية المتعثرة منذ شهور طويلة.. ودعت روسيا بيونغ يانغ إلى وقف نشاطاتها النووية، مطالبة إياها بالعودة إلى المحادثات السداسية أيضاً. في الوقت الذي ردت فيه الدول المعادية لكوريا الديمقراطية بمواقف وإجراءات اختلفت عن سابقاتها، إذ قامت كوريا الجنوبية بمناورات عسكرية، تضمنت تجارب على صواريخها التي تشمل شبه الجزيرة الكورية، في إشارة منها إلى رد عسكري على هذه التجربة.. وأعلنت الولايات المتحدة أنها (ستواصل اتخاذ الخطوات الضرورية لحماية أنفسنا وحلفائنا)! وأكدت اليابان أن التجربة تهدد سلامة البلاد. كذلك توعَّد الاتحاد الأوربي وحلف الناتو برد حازم!

وينظر برأينا إلى هذه التفاعلات والردود الدولية، الفردية أو الجماعية، وبغض النظر عن فحواها، بأنها استمرار للازدواجية في التعاطي مع هذا الملف، على أهميته، ومثيلاته، وبخاصة تلك الدول التي امتلكت ليس القدرة النووية فقط، بل السلاح النووي.. كذلك الازدواجية في التعاطي الدولي مع ملفات نووية سلمية ولأغراض علمية واقتصادية، كما هو الحال مع الملف النووي السلمي الإيراني مثلاً. وغض النظر تماماً أو عدم مناقشة ملفات نووية أخرى، وبخاصة القدرات النووية العسكرية الإسرائيلية، وتجاهلها دولياً، بدءاً من مجلس الأمن وانتهاء بمواقف الدول المؤثرة والفاعلة دولياً.

ونعتقد أنه يفترض التمييز بين دولة تسعى إلى امتلاك القدرة النووية بهدف الدفاع عن نفسها، أو تعزيز قدرتها العلمية والاقتصادية، وبين دولة تمتلك أو تسعى إلى امتلاك هذه القدرة لأهداف أخرى.. وأن الدعوة التي أطلقتها دول عديدة، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط، حول إيجاد مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل، وبضمنها السلاح النووي، هي دعوة جدية تتضمن إزاحة هذا الخطر في حال حدوثه.. وهذا ما يجب أخذ بالحسبان والتعاطي معه إيجاباً للوصول إلى عالم خال من السلاح النووي، ومن أسلحة الدمار الشامل، وهذا هو الأهم برأينا.

العدد 1140 - 22/01/2025