المكتب السياسي للشيوعي السوري (الموحد)الدفاع عن الوطن ضد تدخل الخارج وإرهاب الداخل

عقد المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري (الموحد)، اجتماعه الدوري بتاريخ 1-8-2012 وأقرَّ الرسالة السياسية التالية:
مع مرور الأيام، تشتد الأزمة السورية احتداماً، وتقترب أكثر فأكثر من المساس بالخطوط الحمراء التي توافقت السياسات الدولية عليها طيلة القرن الماضي، أي بدءاً من معاهدة سايكس- بيكو حتى اليوم.
وأصبحت طبول الحرب تقرع على الملأ، وتكثر التوترات المسلحة على الحدود المتجاورة بين عدد من البلدان في الشرق الأوسط. وخلافاً لكل قانون دولي ولأي  شرعة حقوقية تعارف عليها البشر، أصبحت المناداة بالتدخل العسكري ضد سورية على كل  شفة ولسان في الدول الغربية كلها، وعلى الأخص العظمى منها.

وتعلن وزيرة الخارجية الأمريكية أن الظروف على الأرض تتهيأ تدريجياً لإقامة منطقة عازلة على الحدود التركية – السورية، وتتباهى بأنها تساهم في دعم المعارضة المسلحة السورية بمختلف الأشكال، وتحث الحكومات في كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا على استغلال الفرصة الحالية التي ينشغل فيها النظام في سورية بقمع التوترات الداخلية هنا وهناك، لاستيلاء تركيا على العديد من معابرها الحدودية مع سورية، لتمرير أكبر كمية ممكنة من العتاد العسكري وتسهيل تسلل أكبر عدد ممكن من المرتزقة القادمين من أقصى بقاع الأرض، والاستفادة من نهر الأموال الخليجية المتدفقة بلا حساب تجاه المعارضين الخارجيين المرتبطين بها، واستخدام الآلة الإعلامية الشديدة التطور والعالية التقنية في التأثير على عقول الناس وقلب الأكاذيب إلى حقائق، والحقائق إلى أكاذيب. فهم يضعون المشاهدين والسامعين والقارئين بصورة أن المعركة قد حسمت لمصلحتهم، إلى ما هنالك من فبركات غايتها إيقاع اليأس في نفوس السوريين وإصابتهم بالإحباط والوهن والتردد، من ناحية، ولتمهيد المناخات الدولية لاستقبال الحل العسكري وكأنه أمر مبتوت فيه سلفاً.
وتكمن أزمة السياسات الغربية وتابعيها حيال سورية، في أنها لم تستطع حتى الآن استصدار قرار في مجلس الأمن الدولي يشرْعِن التدخل العسكري ضدها، بسبب حق النقض المزدوج الذي استعملته روسيا والصين ثلاث مرات. أما الحل العسكري فدونه صعوبات لا تعد ولا تحصى، و أهمها أولاً- قدرات الجيش السوري، ثانياً- التحالفات المتينة مع روسيا والصين وإيران التي لا يستثنى منها الجانب العسكري، ثالثاً- الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم الرأسمالي بكامله، ورابعاً- الخوف على مصير إسرائيل.
وأمام صعوبة التدخل العسكري المباشر، لجأ الغرب وأتباعه إلى خوض حرب استنزافية قاسية ضد سورية، تمثلت بالأمور التالية أولاً- العقوبات الاقتصادية، ثانياً- إرسال المزيد من المتسللين القادمين من دول مجاورة ودول بعيدة، ثالثاً- إرسال تجهيزات ومعدات وأسلحة متطورة، رابعاً- استخدام الإعلام بجميع أشكاله كجزء من حرب نفسية ضارية، خامساً- تكليف المجموعات المسلحة بالقيام بأعمال تخريبية تطول المنشآت الاقتصادية والخدمية العامة والخاصة، سادساً- استخدام سلاح الاغتيالات النوعية والخطف، سابعاً- تصفية القيادة العسكرية والأمنية السورية، ثامناً- السعي لزج البلاد في أتون حرب أهلية وطائفية.
إن الأوضاع الداخلية في سورية تسير على هذا الإيقاع منذ عدة أشهر. وكانت خطة (بركان دمشق)  تجسيداً لحرب الاستنزاف هذه، في غياب قرار من مجلس الأمن يبيح التدخل العسكري المباشر المكشوف. وبموجب ذلك حُشدت بضعة ألوف من المجموعات المسلحة، قامت بالهجوم على المراكز الحكومية وبعض الأحياء، ولكنها جوبهت برد فعل شديد من الجيش أدى إلى إفشال ما أسمي خطة تحرير دمشق. وضرب البنية الأساسية لهذه المجموعات التي دفعت غالياً ثمن سوء تقديرها لميزان القوى، ولوقوعها فريسة الأوهام التي زرعها في عقولهم أسيادهم في الخارج.
لقد وقع الكثير من الأخطاء أثناء التصدي لهذه المجموعات الإرهابية، ومنها القصف العشوائي الذي طال بعض الأبنية والأحياء السكنية، مما أدى إلى هدمها وتهجير عشرات الألوف إلى الساحات العامة والحدائق والمدارس وإثارة استياء الأهالي، في ظل غياب إجراءات فعالة للمساعدة و الإغاثة.
إن ردع الأعمال التخريبية التي تقوم بها المجموعات المسلحة يتطلب الحرص الصارم المسؤول على عدم إلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء وتجنب الاستعمال المفرط للقوة. والآن، وبعد فشل ما يسمى خطة تحرير دمشق، تتجه الأنظار نحو الخطة التي رسمت لاحتلال حلب وأريافها، بعد أن حشدت لها قوى كبيرة. بحيث تؤدي السيطرة على حلب إلى فتح الحدود السورية التركية لتدفق ألوف العناصر المدربة والمسلحة إلى حلب وريفها وتحويلها إلى مناطق عازلة وإقامة منطقة حظر جوي فوقها، واستخدامها نقطة انطلاق جديدة لتهديد باقي المحافظات السورية، وهو المبتغى الأساسي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة وأوربا وتركيا وقطر والسعودية.
لكننا على يقين تام من أن وعي جماهير حلب وريفها، وقدرات الجيش العربي السوري كفيلان بإسقاط هذه الخطة كما سقطت في دمشق.
وبمحاذاة هذه التطورات الأمنية، يبدو أن حظوظ الحلول السياسية لاتبعث على التفاؤل، في ظل التعقيدات الداخلية والإقليمية، وينتظر الكثيرون الإعلان عن وفاة خطة عنان، خاصة بعد استقالته وقرب انتهاء المدة المقررة لمهمته، ولا يوجد حتى الساعة مبادرة سلمية بديلة.

أوضاع داخلية ساخنة
وقد استعرض المكتب السياسي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للجماهير. فأبان ثقل المسؤوليات والمهمات التي أفرزتها المواجهات مع المجموعات الإرهابية المسلحة، ومنها قطع الطرقات وتعذر وصول البضائع المنتجة محلياً من مناطق الإنتاج إلى المحافظات المستهلكة، مما تسبب في ندرتها وبالتالي ارتفاع أسعارها ارتفاعاً فاحشاً. يضاف ذلك إلى جشع بعض التجار المحتكرين والجشعين. كما ينطبق ذلك إلى حد بعيد على أزمة الغاز والمازوت التي مازالت محتدة حتى الآن بسبب العقوبات الاقتصادية الجائرة على شعبنا وبلدنا، إضافة إلى العوامل الداخلية المتمثلة بالاحتكار من قبل البعض وسوء التوزيع. وقد اتخذت وزارة التجارة الداخلية إجراءات قد تساعد في تحسين الوضع نسبياً، ولكن الأهم هو التفكير بمستقبل هذه الأزمة في حال استمرار العقوبات.
ويجب منذ الآن الاستعداد لملاقاة الأشهر القليلة القادمة من حيث أزمتي الغاز والمازوت، أي حين يشتد الطلب عليها.
كما بحث المكتب السياسي بصورة موسعة أوضاع مئات الألوف من الإخوة المواطنين الذين نزحوا نزوحاً داخلياً إلى المناطق الأكثر أمناً واستقراراً، ورغم الجهود القيمة التي بذلها الهلال الأحمر السوري والأجهزة الرسمية ومنظمات المجتمع الأهلي المتعددة لتأمين المأوى والغذاء لهم، فإن جهوداً أخرى مطلوبة لرفع وتائر المساعدات التي تقدم لهم، وهنا يقع على منظمات المجتمع الأهلي والمدني وكل الجمعيات والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية زيادة مساهماتها في هذا العمل الإنساني الكبير، إضافة إلى الجهود المضاعفة المطلوبة من الدولة.
وفي هذا المجال نضع أمام منظمات حزبنا وهيئاته وأفراده مهمة القيام بدور طليعي، والمساهمة الفعالة، كلُّ منظمة حسب ظروفها وواقعها، وأن يسعوا للاتصال مع الإخوة المهجَّرين بغية تأمين الخدمات الضرورية لهم، فهذا العمل هو إنساني وسياسي ووطني من الدرجة الأولى.
كما بحث المكتب السياسي أوضاع الموقوفين السياسيين، إذ برزت إمكانات جديدة من خلال وزارة المصالحة الوطنية لكي تقوم بدور في  التسريع بعملية إطلاق سراح الموقوفين الذين لم يرفعوا السلاح ضد الدولة، والمثابرة الدؤوبة على القيام بمصالحات محلية تمهد الطريق نحو مصالحة وطنية شاملة.

المسائل الملحة في المرحلة الراهنة
انسجاماً مع موقف حزبنا من الأزمة السورية التي وصفها بأنها أزمة مركبة يتداخل فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويؤثر فيها تأثيراً فاعلاً العامل الداخلي… والتدخل الخارجي، وبعد تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي لعب دوراً أساسياً فيها الحصار الاقتصادي الجائر، وتأكيد الحزب المستمر على معالجة هذه الأزمة بالاستناد إلى الحلول السياسية، وبعد التصعيد الخطير الذي مارسه المسلحون المدعومون من التحالف الأمريكي الأوربي الخليجي، في دمشق وحلب وبقية المدن السورية، وما أدى إليه من خسائر بشرية ومادية طالت الأبرياء من السكان، فإننا سنركز نضالنا في الظروف الراهنة على المهام التالية

على الصعيد السياسي
إن الدفاع عن الوطن وسيادته ووحدته هي المهمة الأساسية مهما غلا الثمن، ورغم تصاعد العنف مازلنا نؤكد ضرورة الحل السياسي لأزمتنا، فهو الضامن الفعلي لاستمرار الإصلاح، وتحقيق تطلعات الشعب السوري إلى غد ديمقراطي.. علماني يشارك في صنعه جميع الأطياف السياسية والاجتماعية، لذلك سيسعى الحزب إلى
1- تحفيز المعارضة الوطنية في الداخل على استمرار تمسكها بلاءاتها الثلاث، وهي (لا للعنف.. لا للتفتيت الطائفي.. لا للتدخل الأجنبي بجميع أشكاله)، والأخذ بالحسبان الخطر الذي يمثله الدعم الخارجي للمجموعات (الجهادية) بهدف استنزاف سورية.. ومنع أي حل سلمي لأزمتها، مما يتطلب تغليب مصلحة الوطن على المصلحة الحزبية أو السياسية، واعتماد الحوار الوطني الشامل، دون شروط مسبقة.
كذلك لابد من تغيير العقلية التي اعتمدها البعض في السلطة السياسية  خلال إدارتها للازمة، فلا يجوز استبعاد المعارضين الوطنيين بل السعي الدائم لفتح حوارات معهم، والتقرب من مواقفهم، إذا كانت تهدف إلى حل سياسي يرضي جميع السوريين، ويدعم الصمود في وجه التدخل الخارجي.
2- لقد كان حزبنا من أوائل الداعين إلى عقد حوار وطني شامل يضم جميع القوى السياسية والاجتماعية والدينية والإثنية، يحقق التوافق على إنهاء الأزمة عبر الحوار.. لا عبر البندقية، وبضمن ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة، تسعى إلى مصالحة وطنية شاملة وتعيد الاستقرار للبلاد… والأمن للمواطنين. ونحن هنا نؤكد موقفنا هذا، رغم الإرهاب والظروف الأمنية الصعبة التي تشهدها البلاد، فلا يجوز تأجيل عقد هذا الحوار، لأنه حسب اعتقادنا يمثل اختصاراً لآلام السوريين وحقناً لدمائهم التي تسيل في كل يوم.
3- ولأن عقد الحوار الوطني الشامل يتطلب مناخاً أقل عنفاً وأكثر هدوءاً، فإننا نطالب بإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والموقوفين على خلفية الحراك السلمي الذي بدأ في آذار ،2011 ولم تتلطخ أيديهم بالدماء.. وهو إجراء يقنع الآخرين بصدقية التوجه نحو الحوار الشامل.
4- رغم ملاحظاتنا على بعض مواد مشروع الدستور، لكننا صوتنا بالإيجاب على المشروع برمته، ولا نرى مبرراً لجهة ما.. أو جهاز ما، لتجاوز نصوص الدستور، وخاصة فيما يتعلق بحرية المواطن.. وآرائه.. ومعتقداته، ونطالب الحكومة بمراقبة تنفيذ جميع الجهات الحكومية والأمنية  لنصوص الدستور.

على الصعيد الاقتصادي
صحيح أن حالة الركود التي يواجهها اقتصادنا الوطني لم تكن وليدة الأزمة السورية، إذ كانت السياسات الاقتصادية النيوليبرالية خلال العقد الماضي سبباً رئيسياً لنشوئها، لكن الحصار الاقتصادي الجائر، وحزمة العقوبات التي فرضها التحالف الدولي المعادي لسورية. عمق حالة الركود الاقتصادي وصعّب على الحكومة إنعاش القطاعات الاقتصادية المنتجة، لذلك نرى أهمية الإجراءات التالية
1- التركيز على مكامن القوة في الاقتصاد السوري، كالقطاع الزراعي والصناعة التحويلية بجميع الوسائل.. وبأشكال متعددة، وتسهيل حصول المنتجين الصناعيين والزراعيين على مستلزمات الإنتاج.. والقروض المصرفية، والبحث في إمكانية المشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص المنتج في إنشاء صناعات جديدة… متطورة، لتلبية الطلب الداخلي بعد فرض الحصار على بلدنا.
2- في حالة الركود لا يجوز استمرار الإحجام الحكومي عن الاستثمار، وخاصة في القطاعات المنتجة. لذلك نطالب بزيادة الاستثمارات الحكومية في القطاع الصناعي العام، وفي المشاريع الأساسية للبنية التحتية.
3- لقد برهنت تداعيات الأزمة كم هو ضروري تدخل الدولة في عمق العملية الاقتصادية إنتاجاً.. وتسويقاً واستيراداً، لذلك لا بد من تدخل الدولة عبر أدواتها المالية والإنتاجية والرقابية في الأسواق،ولجم أثرياء الأزمات،وأسياد الأسواق الذين يغتنون على حساب فقر المواطن.
4- بعد تراجع الإيرادات الحكومية، نطالب بسن تشريعات ضريبية تحقق العدالة بين المواطنين، وتضيِّق منافذ التهرب الضريبي، وتزيد من إيرادات الحكومة.
5- منح مؤسسة التجارة الخارجية حق استيراد السلع الأساسية وإيصالها إلى المواطن بأسعار مقبولة.
6- مد شبكة المجمعات الاستهلاكية.. ومنح مؤسسة التجارة الداخلية مرونة أكبر في تأمين سلتها المتنوعة من المواد.
7- التوجه نحو الأسواق في الدول الصديقة روسيا والصين وفنزويلا وإيران… وبقية الدول الآسيوية، إن زيارة الوفد الاقتصادي الأخيرة إلى روسيا خطوة صحيحة وجادة في هذا المجال بعد زيارة الوفد الحكومي إلى إيران.على الصعيد الاجتماعي
1. نطالب الحكومة بتوليد فرص عمل جديدة، وخاصة للشباب، وذلك عن طريق زيادة استثماراتها في قطاعات جديدة، وضخ استثمارات أخرى لتطوير القطاعات القائمة.
2. التعاون مع القطاع الخاص على تأسيس صناعات جديدة تستوعب المتعطلين عن العمل، وتحفيز المستثمرين الوطنيين على الاستثمار في المناطق المتخلفة، وخاصة في الصناعات الغذائية التي تعتمد على المحاصيل في هذه المناطق.
3. تقديم المساعدات النقدية والعينية للمناطق الأكثر فقراً في البلاد، وخاصة في المنطقة الشرقية والشمالية، وتشجيع إقامة المشاريع الصغيرة هنالك.
4. زيادة الأجور.. وتخفيض الأعباء على الفئات الفقيرة والمتوسطة، وخاصة الطبقة العاملة والمزارعين الصغار وجميع متلقي الأجور في القطاع الخاص والمتقاعدين.

العدد 1140 - 22/01/2025