نظام «الأخونة» في تونس.. يترنح
تعيش تونس حراكاً جماهيرياً – حزبياً، هو الأهم منذ انتصار ثورتها ضد نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، والإطاحة به عام 2011. ويتلخص في الاحتجاجات الشعبية ومواقف القوى الوطنية والديمقراطية والليبرالية الرافضة لنظام الأخونة، الذي تولى السلطة بعد الإطاحة بنظام بن علي ويقوده حزب (النهضة) الإخواني، وتحالفه مع حزبي التكتل والمؤتمر. إذ تواجه حكومة علي العريّض (الإخوانية) رفضاً واسعاً من القوى العلمانية، وتظاهرات دورية يومية وأسبوعية ضدها، تتزامن مع عدم قدرة هذه الحكومة على إخراج تونس من أزمتها الاقتصادية، وتالياً الاجتماعية، وعدم استطاعتها توفير الأمن والاستقرار الوطني والفردي في البلاد.
وخلافاً للحالة المصرية التي رفضت ديكتاتورية نظام الأخونة وانفراده بمقاليد السلطات (التشريعية، الدستورية، الحكومية، الرئاسية)، فإن حزب (النهضة) الإخواني التونسي لم ينفرد بالسلطة (نظرياً)، واستند في قيادته البلاد إلى تحالف ثلاثي مع حزبي التكتل والمؤتمر، اللذين تقاسما السلطات مع (النهضة) الذي استأثر بالسلطة التنفيذية (الحكومية).
وقد رفضت الأحزاب العلمانية واليسارية والديمقراطية المشاركة في حكومة حزب النهضة، وشكلت تحالفاً عريضاً (جبهة الإنقاذ)، ثم إطاراً أوسع تحت لافتة (الجبهة الشعبية)، وشكلت عنصراً ضاغطاً برلمانياً، ترافق مع ازدياد حدة الضغط الشعبي الرافض لسياسات نظام (الأخونة) وتوجهاته.. وتزامن هذا الاحتقان الشعبي- الحزبي مع اتساع دائرة العنف والاغتيالات والهجوم على مقرات الدولة التي تقوم بها القوى السلفية والظلامية، وعدم قدرة الحكومة عملياً على توفير الأمن والاستقرار في تونس.
وازداد هذا الاحتقان الشعبي حدة مع اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد، ثم محمد البراهمي، وفقدان الحكومة سلطتها على العديد من المناطق الحدودية، وبخاصة الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، واتساع ظاهرة التطرف الإسلاموي في البلاد. وأوصلت هذه الأوضاع تونس إلى حالة عناوينها الاعتداءات الأصولية المتطرفة على المقرات الحكومية والأمنية، وسلسلة الاغتيالات ضد رموز القوى العلمانية، والتفجيرات التي شملت البلاد، والمظاهرات الشعبية الرافضة لنظام (الأخونة) وتجلياتها المترافقة مع استقالات نواب القوى العلمانية والديمقراطية من المجلس التأسيسي (البرلمان).
هذه الحالة أدخلت بمجموعها البلاد في أزمة، لم ولن يستطيع نظام (النهضة) الإخواني إخراج البلاد منها.. واضطرت هذه الأوضاع الحكومة وما تمثله، إلى الاستجابة لمطالب المعارضة بتلاوينها المختلفة الداعية إلى إجراء حوار وطني شامل، والتوافق على دستور يطرح على الاستفتاء الشعبي، بعد استقالة حكومة (الإخوان) وإجراء انتخابات نيابية مبكرة تشرف عليها حكومة تكنوقراط مؤقتة. وهذا ما أكده المتحدث باسم حزب العمال (الشيوعي سابقاً) الجيلاني الهمامي: (إن الجبهة الشعبية قبلت تعهّد رئيس الحكومة المؤقتة الاستقالة وفق (خريطة طريق) رغم الملاحظات العديدة على هذا التعهد). وإذ أدت التطورات والتفاعلات التونسية إلى تشكيل لجنة رباعية للحوار تضم ( الاتحاد التونسي للشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان)، مهمتها إطلاق الحوار الوطني والإشراف عليه، فإن غالبية القوى اليسارية والعلمانية طالبت باستقالة حكومة النهضة الإخوانية وتقديم رئيسها العريّض تعهداً مكتوباً بذلك.
وقد أدى الضغط الجماهيري المتواصل واستقالة نواب المعارضة من المجلس التأسيسي، وتعليق نواب (جبهة الإنقاذ) و(الجبهة الشعبية) مشاركتهم في الحوار، إلى اضطرار العريض للاستجابة إلى مطالب المعارضة، وإقرار مبادرة (الرباعية). وتنص هذه المبادرة على (انعقاد جلسات الحوار، يرافقها الإعلان عن تشكيل حكومة كفاءات، ترأسها شخصية وطنية مستقلة، بديلاً للحكومة الحالية المؤقتة، التي تتعهد بتقديم استقالتها في غضون ثلاثة أسابيع، ويترافق ذلك مع استئناف المجلس التأسيسي جلساته، وتحديد مهماته ونهاية أعماله في غضون أربعة أسابيع، وتحديد المواعيد الانتخابية، والمصادقة على الدستور في أمد أقصاه أربعة أسابيع).
تونس التي تترنح أمام أزمة داخلية اقتصادية – اجتماعية، وتشهد حالة من التجاذبات والاصطفافات في مواجهة (الأخونة) وتداعياتها المترافقة مع تحرك شعبي واسع ضد حركة (النهضة)، أسفر مؤخراً عن حرق مكاتب الحركة الإخوانية في مدينة الكاف، ومهاجمة مكاتبها أو احتلالها في العديد من المدن الأخرى، يؤكد تحركها البرلماني – الحزبي- الشعبي أن خروج البلاد من أزمتها عنوانه الوحيد الحوار الوطني الشامل.. وهذا ما وافقت عليه حركة (النهضة) (اضطراراً أو إقراراً) من خلال الحوار الوطني الذي بدأت جلساته الأولية في الخامس من تشرين الأول، وتعرض لابتزاز ومحاولة إفراغه من مبتغاه المتلخص في تشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة، والإشراف على الانتخابات البرلمانية المبكرة.
وإذ نجح الحراك الشعبي – الحزبي، والضغط البرلماني المعارض وغيرها من العوامل الأخرى المساعدة على إجبار (النهضة) على البدء بالحوار الوطني، فإن الأهم يتلخص في نتائج هذا الحوار، ومدى استجابته لمطالب الحركة الشعبية الواسعة وقواها الديمقراطية واليسارية المطالبة بالديمقراطية الحقيقية، وفي رفض (الأخونة) والتفرد والانفراد في السلطات التشريعية والحكومية، وفي انتخابات ديمقراطية مبكرة، وهذا ما ستؤشر إليه النتائج الأولية للحوار الوطني التونسي المنشود.