شتاء بارد ودماء حارة

في الوقت الذي تنخفض فيه درجات الحرارة، يزداد نزيف الدماء في سورية وغزة. وكانت الأيام الماضية مخصصة لدفن الشهداء الفلسطينيين وعلاج مئات الجرحى من أطفال ونساء. وثمانية أيام ملتهبة وصواريخ المقاومة، ترسم معالم الانتصار على العدو الصهيوني الذي شنَّ مئات الغارات على السكان الآمنين وتخريب البنية التحتية.

لقد ارتفعت حرارة الخوف والغيرة على فلسطين وشعبها، وعلى سورية والشعب السوري. وتقاطر وزراء الخارجية العرب إلى (جامعتهم)، ليعلنوا من هناك أن الائتلاف (الثوري) هو الممثل الشرعي والوحيد، والمحاور الأساسي مع الجامعة العربية. هذا من جهة، وأن مطالبة مجلس الأمن بإصدار قرار تحت البند السابع، أصبح أكثر سهولة من السابق من جهة ثانية. وتحفظ على هذه القرارات (الجزائر والعراق).

وجرت مساع حثيثة (أمريكية مصرية خليجية إسرائيلية) لوقف إطلاق النار، بعد أن لوّعت صواريخ المقاومة الفلسطينية تل أبيب والمستوطنات. وبعد أن شوَّهت (عبقرية حمد) صورة الشعوب العربية التي اقتلعت الاستعمار من الأرض العربية، ووصفه مئات الملايين (بالنعاج). بينما في المقابل وصفت كلينتون زيارات وتحركات وزراء الخارجية العرب برفقة الصديق الغيور أردوغان التي تتم بالتنسيق مع إسرائيل (بأنها مجرّد حركات بهلوانية ومقاطع مسرحية ساهمت في تنفيس الغضب الشعبي). وأطلق على مبادرة (حمد ومرسي) لوقف إطلاق النار (صفقة العار).

وبشأن الأزمة السورية جرت مبادرات كثيرة، من أبرزها عقد اللقاءات والمؤتمرات في دمشق وطهران. وبذلت القوى الوطنية من الطيف السوري المتنوع جهوداً لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية. وأن (بيان جنيف لمجموعة العمل حول سورية كاف للعمل من أجل حل الأزمة بطريقة سلمية. وأنه لا توجد هناك حاجة لاتخاذ قرار أممي جديد بشأن سورية)، وهذا ما أكده الوزير الروسي لافروف. ومن جهة ثانية رفضت قوى المعارضة الخارجية أي حل سياسي. ولا تزال تسير في الطريق المعادي المناهض لكل مبادرة، خاصة بعد تشكيل ما يسمى (بالائتلاف الوطني). وقيل الكثير حول هذا الائتلاف من اتفاقات علنية و سرية تمت بين (الولايات المتحدة وقطر وتركيا)، لتحديد مستقبل سورية (كما يرغبون)، وتفتيت المنطقة بأكملها وإشعالها بالحروب الداخلية والطائفية، والقضاء على الهوية الوطنية والقومية. ونشرت بعض الصحف العربية فحوى الاتفاق السري، المؤلف من ثلاثة عشر بندأ، هي بإيجاز: (تخفيض عدد عناصر الجيش إلى 50 ألف جندي، التخلي عن الجولان، إلغاء أي مطالبة بلواء إسكندرون، التنازل لتركية عن بعض القرى، طرد عناصر حزب العمال، إلغاء الاتفاقيات مع روسيا والصين، مد خط مياه من تركيا إلى إسرائيل، مرور أنابيب الغاز القطري عبر الأراضي السورية.. إلخ.. والأخطر من ذلك، أن يكون الحكم في سورية إسلامياً غير أصولي.). أي السير على الخط الإخواني الليبي، التونسي، المصري، والانضواء تحت قيادة أردوغان الزعيم العثماني الجديد.

ولا تزال الدعوات قائمة لزيارة وفد من هيئة التنسيق الوطنية إلى موسكو، لبحث الأزمة السورية وتطوراتها، وتأثيرها على الأوضاع الإقليمية والدولية، خاصة بعد اعتراف بعض الدول بهذا الائتلاف، وحضوره اجتماعات وزراء الخارجية العرب بشكل مراقب. وأعلنت هيئة التنسيق عن نيتها الدعوة لعقد مؤتمر (القاهرة2) ومتابعة الحوار مع المعارضة الخارجية، ويبدو أنها لم تستفد من المؤتمر الأول في القاهرة. ومن المبادرات أيضاً ما جرى منذ أيام في باكستان على هامش (قمة الدول الثماني الإسلامية)، فقد تقدمت مصر وإيران وتركيا وإندونيسيا، وبمشاركة باكستان على مستوى وزراء الخارجية، بمبادرة بشأن الوضع في سورية. واتفق الوزراء على حل الأزمة سياسياً ووقف العنف. أما المبادرة الإيرانية في القمة الإسلامية فركزت على خمس نقاط (عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري، وقف عمليات العنف، إجراء مصالحة وحوار وطني بين أطراف الدولة السورية، تشكيل حكومة انتقالية، رفض أي حلول خارجية). هناك إجماع في اللقاءات والمؤتمرات الحوارية الوطنية، وفي عديد المبادرات الروسية والصينية والعراقية والإيرانية وغيرها، على الحوار وعقد المؤتمر الوطني للمصالحة، ومطالبة الدول الداعمة للمسلحين بإيقاف إرسال الأسلحة وتصدير الإرهاب إلى سورية. وهذا هو مفتاح الحل السياسي للأزمة السورية. والاتفاق على مرحلة انتقالية للخروج من نفق الأزمة المظلم.

ويظل السؤال قائماً وبارزاً:هل سيكون هذا الشتاء أكثر برودة من (الربيع العربي)، أم سيتوقف القتل والعنف ونزف الدماء؟

إن السوريين وأصدقاء الشعب السوري ينتظرون الحل السياسي دون غيره، ويرفضون العنف والطائفية.. يريدون وطناً مستقلاً لجميع المواطنين دون تمييز على أساس الجنس أو الدين أو القومية.

العدد 1140 - 22/01/2025