السعودية و«إسرائيل»… تقاطع الأهداف والمصالح

لم تكن زيارة مراسلة صحيفة (يديعوت أحرونوت) في كانون الثاني (يناير) 2008 إلى السعودية هي الأولى في سلسلة الزيارات (الإسرائيلية) السعودية، إذ سبقتها الكثير من الزيارات وأعقبها الكثير، إلا أن الحميمية التي استُقبلت بها الصحفية (الإسرائيلية) كانت كبيرة جداً، فقد أشارت الصحيفة الصهيونية في صفحتها الأولى يوم 15/1/2008 أن مراسلتها أورلي أزولاي، دخلت إلى العربية السعودية ضمن حاشية الرئيس الأمريكي.. وتحت عنوان: (إسرائيلية في أرض الإسلام) نشرت الصحيفة (الإسرائيلية) صورة لمراسلتها في العربية السعودية، وقد كتب على اللافتة القريبة منها صحيفة (يديعوت أحرونوت). وقالت الصحافية: إنه بعد وصول الطائرة إلى مطار الرياض الدولي، قام ممثل وزارة الإعلام السعودية بمنحها بطاقة الصحافة السعودية الرسمية، لافتة إلى أنها افتتحت مكتباً مؤقتاً للصحيفة (الإسرائيلية) في العاصمة السعودية.. ولفتت الصحافية أيضاً في تقريرها الذي وصل مباشرة من الرياض، أنها فوجئت عندما وصلت إلى غرفة الصحافة وشاهدت لافتة وقد كتب عليها باللغة الإنكليزية صحيفة (يديعوت أحرونوت)، مؤكدة أن جميع هذه الإجراءات تمت بعلم وبموافقة من السلطات الرسمية في المملكة. مؤكدة أن ممثل وزارة الإعلام السعودية كان في انتظارها في بهو الفندق وقال لها: (إنه يأمل أن يتم السلام هذه المرة بين (إسرائيل) وجميع الدول العربية). كما أن المسؤول السعودي اهتم جداً بالوضع الصحي لرئيس الوزراء الصهيوني السابق أرييل شارون، مستغرباً توقف الصحافة الصهيونية عن متابعة أخباره الصحية.

وفي نهاية شهر آذار 2008 تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن دعوة مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مجموعة من رجال الدين الإسرائيليين الحاخامات للمشاركة في مؤتمر مصالحة ديني سيعقد في الرياض ويجمع شخصيات دينية كبيرة من الديانات السماوية الثلاث.. مؤكدة أن المفتي السعودي اتصل هاتفياً بممثل جمعية الصداقة الإسرائيلية العربية أهارون عفروني، ووجه له هذه الدعوة. وكانت مجلة (نيويوركر) نشرت في 5/3/2007م، تقريراً ل(سيمور هيرش)، تحت عنوان (إعادة التوجيه)، أماط فيه الصحافي الشهير، اللثام، عن خفايا الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة الأشد التهاباً في العالم، وطبيعة المهمات التي تضطلع بها حكومات عربية حليفة لواشنطن، وعلاقتها بالدولة العبرية.

يقول التقرير: إن التحول في السياسة دفع السعودية و(إسرائيل) إلى ما يشبه (العناق الاستراتيجي الجديد)، لا سيما أن كلا البلدين ينظران إلى إيران على أنها تهديد وجودي. وقد دخل السعوديون والإسرائيليون في محادثات مباشرة. إذ يعتقد السعوديون أن استقراراً أوسع في (إسرائيل) وفلسطين سيعطي لإيران نفوذاً أقل في المنطقة، ثم أصبحوا أكثر تدخلاً في المفاوضات العربية الإسرائيلية. وخلال العام الماضي ،2006 توصل السعوديون والإسرائيليون وإدارة بوش إلى سلسلة من الاتفاقات  غير الرسمية  حول توجههم الاستراتيجي الجديد، وقد شمل هذا الأمر عناصر (أهمها): طمأنة إسرائيل إلى أن أمنها هو الأمر الأسمى، وأن واشنطن والسعودية والدول الخليجية الأخرى تشاركها قلقها حول إيران. فلقد بدأت الرياض اتصالاتها مع الإسرائيليين والجمعيات اليهودية المؤيّدة للدولة الصهيونية في الولايات المتحدة، منذ أكثر من عقد، وهو تقارب حظي بمباركة الإدارة الأمريكية على طول الخط، ولكنه لم يكن علنياً، بل ظل مقتصراً على القنوات الدبلوماسية المفتوحة بين الجهتين، وكان مهندس هذه القنوات الأمير بندر بن سلطان  السفير السعودي الأسبق لدى واشنطن  الذي اعتبرته الصحف الإسرائيلية (صلة الوصل) بين الدولة الصهيونية وجيرانها. وكان لبندر اتصالاته القديمة مع الإسرائيليين، وفي ذلك يقدّم الكاتب الأمريكي وليام سمبسون كاتب سيرة حياة الأمير السعودي  تلميحات إلى الطريقة التي أسس بها بندر روابطه مع الإسرائيليين. كما كشف الكاتبان الأمريكيان ليزلي وأندرو كوبورن في كتابهما (العلاقات السرية الأمريكية – الإسرائيلية) عن ضلوع آل سعود في هذه العلاقات، وأن العلاقات الإسرائيلية السعودية تمتد إلى وقت طويل، حتى قبل قيام دولة إسرائيل فوق الأرض الفلسطينية.. ويذكر الكتاب أن ثمة صفقات تسليح تم إبرامها بين العائلة السعودية وبين تل أبيب، وبعلم الإدارات الأمريكية المتعاقبة.. بل إن الكتاب يكشف عن سخرية إسرائيل من هذه العائلة، وأنه تم تمرير العديد من صفقات الأسلحة الفاسدة إلى المملكة السعودية، بعمولات مضاعفة. وكشف الكتاب في هذا الصدد عن صفقة خزانات الوقود الإضافية التي اشترتها المملكة السعودية لطائرات (إف- 15) بهدف تمكينها من التحليق لفترات أطول.. مشيراً إلى أن هذه الخزانات تم بيعها إلى آل سعود على أنها من صنع أمريكي، ولكن حقيقة الأمر أن هذه الخزانات صنعت في مصنع تل أبيب تابع ل(شركة صناعة الطائرات الإسرائيلية)، هذا فضلاً عن الكثير من الصفقات الأخرى التي مازالت طي الكتمان. ومما يؤكد متانة العلاقات الإسرائيلية السعودية مشاركة إسرائيل لآل سعود في السراء والضراء ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، إذ تؤكد مصادر صحفية في واشنطن والرياض استقبال الديوان الملكي السعودي لوفد من الكيان الصهيوني ضم ممثلين عن الرئيس الصهيوني شمعون بيريز يرأسهم صديقه الشخصي سامي ريفيل الوزير المفوض في سفارة باريس، لتعزية عائلة آل سعود بوفاة نايف بن عبد العزيز الذي توفي مطلع العام 2013. وتؤكد المصادر أن الوفد تم استقباله من قبل المستشار في الديوان الملكي عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري مع أمراء ومسؤولين سعوديين لديهم صلة مع الكيان الصهيوني.

مما تقدم يمكننا القول: إن العلاقات السعودية (الإسرائيلية) هي علاقات ضاربة في العمق وهي تعود لبدايات حكم آل سعود، الذين أرادوا لأنفسهم أن يكونوا ة الخنجر المسموم في يد الصهاينة، ولهذا فإن المتابع عن كثب لما يجري في سورية يدرك الأسباب الحقيقية لدعم آل سعود للمجموعات الإرهابية والتكفيرية في سوريا، ذلك أن آل سعود بفعلتهم هذه تنافسوا مع حلفائهم في المنطقة العربية، على خدمة الصهاينة وتقديم كلِّ ما من شأنه أن يحقق الأمن والأمان للصهاينة لعقود من الزمن، بتدمير سورية ومحاولة القضاء على مقومات الدولة فيها وإنهاك جيشها الوطني وخلخلة بنيانه.

العدد 1140 - 22/01/2025