السوريون يترقبون نتائج مهمة الإبراهيمي

الحل السياسي يحفظ الاستقرار في سورية والشرق الأوسط  إطلاق سراح معتقلي الرأي ومن لم يحمل السلاح

 الحوار الوطني الشامل يفتح الآفاق للتغيير السلمي الديمقراطي  الحكومة مطالبة بتخفيف معاناة المهجرين

 

 بعد جولة أو عدة جولات من أعمال العنف والإغارة على مواقع مدنية أو عسكرية في أنحاء مختلفة من سورية قامت بها المجموعات الإرهابية المسلحة وعلى الأخص (جبهة النصرة) الأكثر شراسة، وصل السيد الأخضر الإبراهيمي رئيس البعثة الدولية المكلفة بمعالجة الأزمة السورية، إلى دمشق، للقاء المسؤولين السورين، حاملاً معه، كما يُعتقد، بعض الأفكار أو الاقتراحات بالاستناد إلى وثيقة جنيف المؤرخة في 30 حزيران الماضي التي اتفق على بنودها الستة بين روسيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي، والتي تضع أسساً لحل الأزمة سياسياً. وتستند إلى وقف العنف أولاً، والمباشرة بحوار داخلي فيما بين السورين يفترض به أن يؤدي إلى ترتيبات تنظم البيت السوري الداخلي، ولمصلحة الشعب السوري بالذات.

  وإن لم يكن واضحاً حتى الساعة تفاصيل اقتراحات وتصورات السيد الإبراهيمي الملموسة، إلا أن الشعب السوري لايخفي ارتياحه من النشاط الدبلوماسي الشاق والمخلص الذي قادته روسيا والصين للوصول إلى تفاهم دولي، وإلى مرجعية مكتوبة للأسس التي يجب أن يرتكز عليها أي حل سياسي، والتي تبلورت أخيراً بوثيقة جنيف التي جاء الإبراهيمي ليخوض غمار وضعها موضع التنفيذ، رغم الغموض الذي يحيط ببعض موادها، وتحتمل تفسيرات متعددة لها.

  إلا أن مصدر الصعوبات لا يكمن في تفسير هذه المادة أو تلك من بنود الوثيقة، بمقدار ما يكمن في النوايا السيئة التي يخبئها قادة المجموعات المسلحة الذين لم يوافقوا حتى هذه اللحظة على مبدأ الحل السياسي السلمي، ولم تنبس شفاههم بكلمة واحدة إلى الآن تعبر عن موافقتهم على الجلوس إلى طاولة الحوار مع الطرف السوري المفاوض، ملتجئين بدلاً من ذلك إلى تصعيد العمليات الانتحارية التي تحصد أرواح المواطنين الأبرياء، وتكثيف هجماتهم على المنشآت الاقتصادية المدنية والمساس بغذاء الشعب السوري ومحاولة تعطيل الحياة الطبيعية في البلاد. وما يثير الهواجس والقلق أيضاً، هو السياسة المزدوجة التي تتبعها الولايات المتحدة وودول الاتحاد الأوربي وتركيا. ففي الوقت الذي تعلن فيه هذه الدول موافقتها على مبدأ الحل السياسي، نراها في الوقت نفسه تستمر في تغذية هذه المجموعات بالسلاح والعتاد والمال والرجال وبأدوات الحرب النفسية والإعلامية، ظناً منها أنها بذلك تضعف الموقف التفاوضي السوري وتقوّض دعائم الدولة السورية، هذا الهدف الذي لم يتمكنوا من النيل منه رغم ضخامة القوى التي حُشدت لتحقيقه. لقد آن الأوان لإزالة هذه الازدواجية، والتوجه بروح الواقعية السياسية إلى حل سياسي يحفظ الاستقرار ليس في سورية فقط بل في الشرق الأوسط بكامله.

إن الشعب السوري الذي أظهر ثباتاً قوياً على حبه لوطنه ورفضه للإرهاب ولمشاريع الفتن المذهبية والطائفية، أظهر أيضاً رغبته الصادقة والمخلصة في الحل السلمي وفي إحلال الحوار محل التقاتل بالرصاص. هذا الحوار الذي يفتح الآفاق أمامه للتغيير الديمقراطي السلمي نحو مجتمع تعددي على أساس تقدمي لايعود بالبلاد إلى الوراء، بل يزيل عنها السلبيات التي أعاقت تطورها عبر عقود من الزمن، تفشى فيها الفساد واستبد فيها الاستئثار بالسلطة، وأعاق عملية التنمية، وساءت فيها أحوال الجماهير اقتصادياً واجتماعياً. إن السوريين بكل مكوناتهم، إذ أثبتوا استعداداً صادقاً وأميناً ومخلصاً للمصالحة الوطنية فيما بينهم، وأبدوا روحاً عالية من التسامح الأخلاقي والوجداني وقلب صورة الماضي ومآسيه، ينظرون الآن بروح الواقعية السياسية والحكمة والتعقل إلى مهمة الإبراهيمي ويأملون لها النجاح. فماذا عن الآخرين؟

العدد 1140 - 22/01/2025