قراءة في خطاب الرئيس الأمريكي
لم يكن خطاب الرئيس أوباما في دائرة الضوء، كما حصل في خطاب الولاية الأولى. وجاء الخطاب الثاني في الولاية الثانية، بعد التغيرات الجزئية في حكومة البيت الأبيض، وفي مرحلة معقدة مزدحمة بالأزمات الإقليمية والدولية.
ومن العناوين البارزة في الخطاب (قضايا الشرق الأوسط)، وفي المقدمة (الأزمة السورية). وإن ظهر النور من ثقب غربال السياسة الأمريكية في الآونة الأخيرة، كما يؤكد خبراء في السياسة الدولية. إلاَّ أن التوجهات الرئيسة في سياسة الإمبريالية الأمريكية لا تزال في صلب الاستراتيجية الأمريكية، وإن تباينت بين حين وآخر المواقف التكتيكية.
قال الرئيس أوباما، إن إدارته ستواصل سياسة الضغط على النظام السوري. وإن واشنطن ستدعم أيضاً قادة المعارضة الذين يحترمون حقوق جميع السوريين. أي أنه بمعنى آخر موازٍ، لا يدعم أطرافاً أخرى في المعارضة، من أبرزها (جبهة النصرة) التي ضمها إلى قائمة الإرهاب.
ومن الطبيعي أنه لن ينسى حليفته إسرائيل، فتعهَّد بالوقوف إلى جانبها، في مسعاها نحو الأمن وتحقيق سلام دائم من دون أن يقدم أية إشارة للفلسطينيين. ولم يأتِ على ذكر وعوده السابقة بإقامة الدولة الفلسطينية، أو أية حقوق للشعب الفلسطيني.
ورغم أن خطابه لم يأتِ بجديد. وأن السياسة الأمريكية لا تزال تدور في محورها المرسوم منذ عقود، إلاَّ أن هناك من رأى أن خطاب أوباما حمل الكثير من الإيجابيات بالنسبة للمنطقة. ويتمثل هذا الجديد في (حديث الرئيس عن الشعوب وما تريده). وفي رأي هؤلاء أن ذلك مؤشر إيجابي على أن الولايات المتحدة، تنظر إلى ما يجري في المنطقة على أنه، تحركات شعوب لا مجرد نزاعات بين نظم معينة.
وتطرق أوباما إلى الملف النووي الإيراني. وأعلن عن موقف أكثر طراوة وأقل حدة من السابق. وقال: يجب أن يقر القادة الإيرانيون بأن الوقت قد حان الآن لإيجاد حلّ دبلوماسي، لأن التحالف ما زال موحداً لمطالبتهم بتنفيذ تعهداتهم الدولية.
وكانت أفغانستان إحدى النقاط المحورية في الخطاب. وكان أوباما قد مهَّد لهذا الموقف قبل الانتخابات الرئاسية للدورة الثانية. فعبَّر عن أهمية الدور الذي قامت به القوات الأمريكية لهزيمة ( قلب القاعدة). وأعلن نيته سحب 34 ألفاً من القوات البالغ عددها 64 ألفاً في بداية عام 2014 .
وقطع الرئيس الأمريكي وعوداً بتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والاهتمام الأكبر بمعيشة الأمريكيين وحياتهم، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية الجاثمة منذ خمس سنوات، وما خلفته من آثار سلبية أدت إلى تدهور حياة شريحة اجتماعية واسعة. فدعا إلى رفع الحد الأدنى للأجور من 25,7 إلى 9 دولارات في الساعة، أي زيادة 20 في المئة. وهذه الخطوة سترفع دخل 15 مليون أمريكي. وستُنفّذ على مراحل. وقال أوباما إن الاقتصاد الأمريكي وفَّر أكثر من 6 ملايين وظيفة جديدة. كما يتم شراء سيارات أمريكية أكثر مما كان عليه الحال قبل خمس سنوات. كما تشتري الولايات المتحدة نفطاً أجنبياً أقل مما كانت تشتريه منذ عشرين عاماً. ومن السلبيات التي أثرت على حياة المواطن الأمريكي، قال أوباما، إنه رغم ارتفاع أرباح الشركات إلى أعلى مستوى، إلاَّ أن الأجور والدخول لم تتزحزح على مدى أكثر من عقد من الزمن. وشدد على أن مهمة الجيل الحالي هي إعادة الحياة إلى تحرك النمو الاقتصادي الأمريكي الحقيقي، وهو الطبقة الوسطى المنتعشة والمتصاعدة. وطالب الكونغرس بإعادة تحفيز الطبقة المتوسطة التي وصفها (بأنها المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة). وأيد زيادة الضرائب على الأثرياء. ودعم خطة إنفاق قيمتها 50 مليار دولار لخلق وظائف بواسطة إعادة بناء شبكة الطرقات.
ويظل السؤال قائماً: هل خطاب حال الولايات المتحدة سيخفف من التباينات والاختلافات التي تثار زوابعها بين الديمقراطيين والجمهوريين، أم أن الوضع الداخلي سيظل ميداناً للتعاون بين الطرفين وتقاربهما، والعمل معاً على تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي؟