بعد عامين: أين نحن.. وأي خيار؟

اليوم، ونحن على مشارف انتهاء العام الثاني من بداية الأزمة – المحنة التي تعانيها بلادنا، لابد أن نطرح التساؤل: وماذا بعد؟ أي مخرج وأي خيار أمامنا؟ ومن المؤكد أنه من غير الممكن محاولة الإجابة عن هذا التساؤل دون النظر إلى الوقائع الحية على الأرض، ورؤية تناقضاتها الداخلية وتعقيداتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وكذلك في حركتها المستمرة واتجاه هذه الحركة خلال العامين الماضيين:

* عشرات الألوف من الضحايا من شهداء ومشوهي حرب من مدنيين وعسكريين، وأنهار من الدماء الطاهرة لا تزال تسفك كل يوم، مئات الألوف من اليتامى والأرامل ومثلها من العائلات المهجرة والنازحة التي ترزح تحت أسوأ وأبشع الظروف الطبيعية والمعيشية والإنسانية، ناهيك بالمهانة والإذلال للكرامة البشرية.

* دمار هائل للبنى التحتية للبلاد من سدود وجسور وطرق مواصلات وسكك حديدية ومطارات وآبار للنفط وصوامع ومطاحن حبوب ومحطات الطاقة الكهربائية. وألوف المعامل فُكّكت وبيعت في تركيا، وغيرها من الممتلكات العامة والخاصة خُرّبت وسُرقت، ونهب للآثار وتدمير للمواقع التاريخية، فضلاً عن الخسائر التي نزلت بالقدرات العسكرية لبلادنا، التي ضحّى وعانى شعبنا الكثير الكثير من أجل بنائها على مدى عشرات السنين بغية مواجهة العدو الصهيوني.

* فقدان كامل للأمن والأمان لمن لا يزال يغامر بالبقاء في منزله أو حيه أو قريته في أغلب مناطق القطر، ورعب دائم من قذيفة أو تفجير إرهابي أو رصاصة قناص، أو من اختطاف وابتزاز، ومعاناة قاسية من شتى أنواع البطالة، وفقدان أو ارتفاع فاحش لأبسط متطلبات الحياة، كالخبز والغاز والمحروقات وغيرها..وسيطرة واسعة لمافيات تجار الحروب والأزمات.

* انقسام مجتمعي على خلفية مذهبية أو طائفية لم يسبق له مثيل في بلادنا، وارتكاب مذابح ومجازر شنيعة على هذه الخلفية، وانبعاث حركات سلفية وجهادية مطعّمة بأعداد كبيرة من شتى أنحاء المعمورة تطمح إلى إعادة مجتمعنا قروناً كثيرة إلى الوراء.

* استعصاء لتوازن القوى في الصراع العسكري الدائر على الأرض، على نحو لا يشير إلى إمكان التوصل إلى حسم عن طريق العنف يخرج سورية من محنتها، ودون التوصل إليه  على فرض حصوله – درب طويل مجبول بالكثير من الدماء والخراب والمآسي والآلام، مع مخاطر انهيار الدولة وتفتيت لأرض الوطن وتقسيمها.

*  تشابك المصالح العربية والإقليمية والدولية حول (المسألة) السورية على نحو بات فيه العامل الخارجي ذا تأثير حاسم في مسارها. وغدت هذه القضية نفسها ذات أثر كبير وواضح في مجرى الوضع الدولي برمته.

* سقوط المراهنات على تدخل عسكري خارجي، أو (حل) على الطريقة العراقية أو الليبية أو الصربية، أو على إقامة مناطق حظر جوي أو مناطق عازلة، ونمو الشعور لدى الكثير من القوى الإقليمية والدولية بخطر المد الأصولي والجهادي وامتداده نحو عقر دارها عاجلاً أم آجلاً.

* إدراك معظم هذه القوى  حتى لمن كان منها قبل سنة من الآن يدق طبول الحرب منذراً ومتوعداً ومحدداً موعداً لسقوط النظام بالأشهر والأسابيع وحتى بالأيام  أن لا مناص من التوصل إلى حل سياسي للخروج من الأزمة السورية.

*  اتساع دائرة القناعة أكثر فأكثر لدى معظم القوى، سواء داخل البلاد أم خارجها  بغض النظر عن مواقفها السابقة  بأنه لم يعد من المتحمل أو المقبول استمرار الأمور على هذا النحو الكارثي بأي شكل من الأشكال، إذ الخاسر الأكبر هو الشعب السوري بجميع أطيافه، والرابح الوحيد هو إسرائيل وحلفاؤها، كما أنه يستحيل أيضاً عودة الأمور إلى الحالة التي كانت عليها قبل عامين، والتي وُلدت من رحمها أصلاً الأوضاع الحالية.

إن ذلك كله يؤدي إلى استنتاج لا مهرب منه، وهو أن الخيار الوحيد الآمن والممكن اليوم هو حوار وطني واسع وشامل، يقوم على قاعدة رفض التدخل الأجنبي ووقف العنف بجميع أشكاله، وتقديم كل طرف  ما يساعد على إبداء حسن النية وإعادة الثقة بالآخر، وذلك بغية التوصل إلى حل سياسي تتوصل وفقه جميع أطياف المجتمع السوري إلى عقد اجتماعي جديد يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تعددية، دولة المواطنة والحرية والكرامة والمساواة والرفاهية لجميع أبنائها، وبذلك نضمن حرية سورية الوطن ووحدتها، ومستقبلاً مشرقاً لشعبها.

العدد 1140 - 22/01/2025