جماهير الشعب السوري منفتحة على الحوار.. الولايات المتحدة تناور وأوربا منقسمة.. ومعارضو الخارج يصعّدون
يشارك ممثلو القوى السياسية الوطنية، وممثلو الفعاليات الاجتماعية والنقابية والدينية والإثنية في جلسات الحوار التمهيدية التي تسبق التئام مؤتمر الحوار الوطني الشامل. ويضع السوريون في هذه الجلسات النقاط فوق الحروف، يحللون.. ويبينون أسباب الأزمة العاصفة التي تمر بها بلادهم، ويسلطون سيف الانتقاد الجريء على الأخطاء الكبيرة والصغيرة التي تراكمت في العقود الماضية، وأدت إلى استبعاد الآخر، وتهميش مطالبه السياسية والديمقراطية والاجتماعية، والتفرد بالسلطة، واستئثار أغنياء (المصادفة) بثروات الوطن ونتاج جهود الكادحين السوريين.
ما يميز الحوار التمهيدي اقترابه من أوجاع السوريين، وفي الوقت ذاته ابتعاده عن التشفي والشماتة، فالوطن اليوم يحتاج إلى هذه الوقفة الجريئة مع الذات.. ومع الآخر، لكنه يحتاج أكثر إلى الخروج من الأزمة التي تطحن البشر.. وتهدم الحجر.. وتحرق الشجر. فالحلول العسكرية التي يدفع إليها التحالف المعادي لسورية أدمت السوريين.. وأسالت دماءهم، ودكت مصانعهم ومزارعهم، وتركت آثارها المدمرة على كل ما هو خير ومنتج في أرجاء بلادهم، لذلك وجدوا في المبادرة الرئاسية السلمية، مخرجاً آمناً للخروج من النفق الذي يدفعهم إليه تجار الحروب.. وأصحاب المشاريع السوداء المهاجرون من كهوف الظلام.. وواضعو المخططات الإمبريالية الصهيونية لتدجين التفرد السياسي الوطني السوري المقاوم.
وفي الوقت الذي تتحضر فيه جماهير الشعب السوري لتقول كلمتها في ندوتها الوطنية الشاملة، برزت مواقف الخارج الأمريكي والأوربي.. والشخصيات المعارضة المنضوية تحت الائتلاف، هذه المواقف المناورة.. والمترددة والمصعّدة في محاولة لتهميش المبادرة السلمية التي حفزت السوريين لإنهاء أزمتهم.
الأمريكيون يتقدمون خطوة على طريق الحل السياسي.. ويتراجعون خطوات، فمرة يطالبون برحيل القيادة السورية لإرضاء (أزلامهم) في الائتلاف، وممارسة الضغط على الحكومة السورية، ومرة أخرى يصدرون التصريحات التي تؤكد العملية السياسية وأهمية اشتراك القيادة السورية فيها، لإرضاء روسيا التي تصرّ على الحلول السياسية بمشاركة السوريين جميعاً.
أما الأوربيون، القابعون تحت عباءة أولاند.. وهيغ، فهم منقسمون بعد أن كانوا متوحدين، فخطر تحول الإرهاب الذي تمارسه المجموعات التكفيرية في سورية، وانتشاره إقليمياً ودولياً أعاد إليهم شيئاً من الوعي.
ولكنه وعي ملتبس.. ويحمل النقيضين! فهم يهولون من خطر المجموعات التكفيرية الإرهابية في سورية، لكنهم ماضون في دعمها، ربما لتكون بلادنا مقبرة للتكفيريين، كما صرح بذلك علناً (هيغ) وزير الخارجية البريطانية.. أي يريدون إحراق سورية، وإفناء شعبها كي (يرتاحوا) من الجميع!
أما الشخصيات المعارضة في الائتلاف، فقد جاءت المبادرة السلمية لتضعهم في موقف حرج، فالحوار مفتوح، والسقوف ملغاة، والشروط معدومة، ومحبة سورية وشعبها هي الأرضية الوحيدة للحوار الوطني الشامل. لكنهم، كعادتهم منذ بداية الأزمة، أضاعوا البوصلة، وذهبوا بعيداً في رفضهم للحلول السلمية.
ورغم أننا وضعنا تحفظات وملاحظات على طريقة الإعداد والتحضير والدعوة إلى الحوار الوطني العتيد، لن نكلّ ولن نملّ من الدعوة إلى انعقاده، فإننا إذ نراه المخرج الآمن الوحيد للخروج من المحنة التي تواجه بلادنا.. وتدمي شعبنا. فالتأكيد على التوافق بين أطياف المجتمع السياسية والاجتماعية والدينية والإثنية، والتحضير الملائم لعقد مؤتمر الحوار الوطني، ووضع الميثاق الشامل لجميع مطالبهم الديمقراطية والسياسية والاقتصادية، هو الرد الوحيد الذي سيرسم معالم المستقبل الديمقراطي التعددي، المعادي للإمبربالية والاستعمار الجديد والصهيونية.