الطبقة الوسطى في ظل الأزمة

لا تزال غيوم الأزمة تزداد كثافة في سماء المنطقة العربية. وقد تشعَّبت إفرازاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ونتج عنها اصطفافات سياسية، وتحالفات جديدة تتوافق مع ما يجري على الأرض من تطورات. ومن الناحية الاجتماعية أدت الأزمة إلى تغيرات ديمغرافية كبيرة، بين الطبقات والشرائح الاجتماعية، تمثّلت في هجرة واسعة للبشر والأموال، خاصة هجرة الشباب الباحثين عن عمل، وهجرة العقول والخبرات وأصحاب المؤهلات العلمية، من باحثين ومهندسين وأطباء وأساتذة جامعات وفنيين وغيرهم.

لقد احتلت الطبقة الوسطى دوراً كبيراً في رأب الصدع بين الطبقات. وهي الطبقة الواسعة الانتشار. وتشكل القاعدة البشرية العريضة في المجتمعات بشكل عام. ولها دور رئيس في المنطقة العربية، وأهمية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية. (وتشكل صمَّام الأمان لكل مجتمع) كما يرى البعض فهي في ظل الأزمة القائمة في معظم الدول العربية بدأت تتآكل تدريجياً، ويمكن أن تتلاشى إذا ما تفاقمت الأزمة أكثر، ولم تعد تملك الفاعلية في تحقيق التوازن بين طبقات المجتمع، وهذا يشكل خطراً على المجتمع. ولم تعد قادرة أيضاً على حماية الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

ويختلف المستوى المعيشي للطبقة المتوسطة، حسب درجة تطور المجتمعات. ففي الدول الصناعية مثلاً يكون دخل الأسرة أكبر من دخلها في الدول الناهضة والنامية. وفي المنطقة العربية تتباين هذه الدخول بين الدول النفطية الغنية والدول الأقل غنى. ويمكن تقسيمها إلى فئات عليا وفئات دنيا، وذلك حسب مستواها المادي.

وبرز مصطلح (الطبقة الوسطى) في القرن التاسع عشر، أي مع بداية الفورة التجارية في عصر النهضة في أوربا. وتقابل الطبقة الوسطى في بلدان آسيا وإفريقية (البرجوازية الصغيرة) التي تضم شرائح اجتماعية واسعة من العمال والفلاحين وصغار الكسبة.

ولا يوجد تعريف دقيق أو معايير محددة لهذه الطبقة، فهي تشمل التجار وأصحاب المعامل الصغيرة(الفئة العليا)، والمهنيين من أطباء ومهندسين وتقنيين ومحامين ومدرسين وفنانين وأدباء وعاملين في البحث العلمي، وهم من(الفئة الدنيا).

لقد تأثر المجتمع السوري بالأزمة بشكل عام. وفقدت الطبقة الوسطى الدور المنوط بها. وهُجّرت أقسام واسعة منها بعد أن نهبت المعامل والبيوت. وأصبحت فئات واسعة منها تتلقى المساعدة من المنظمات الأهلية والحكومية. وهي إضافة إلى دورها في تحقيق التوازن الاجتماعي، تشكل القاعدة الاجتماعية للأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني (النقابات العمالية والمهنية وجمعيات حماية البيئة والمستهلك، والدفاع عن حقوق المواطنين. وتأطير الشباب في منظمات خاصة بهم).

ومن نتائج الأزمة السورية المركبة وإفرازاتها، وانعكاس ذلك على أوسع شريحة اجتماعية على مدى عامين، أن أعمدة بنائها قد اهتزت وتصدعت جدران هذا البناء وتآكلت سطوحه. ولم يبقَ إلاَّ هياكل ستكلف المليارات لإعادة هيكلتها من جديد. ومن أبرز العوامل والمؤثرات التي أدت إلى هذه النتائج:

* الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية.

* ارتفاع الأسعار الجنوني المخيف، وتدنّي القوة الشرائية إلى أدنى الدرجات.

* تعطل الإنتاج بنسبة 60 في المئة، وفقدان المواد للتصنيع المحلي.

* نهب المؤسسات والملكيات العامة والخاصة وتدميرها.

* الهجرة الإرادية أو القسرية للصناعيين وأصحاب الخبرة .

* ازدياد الفساد وشراهة الفاسدين والمفسدين وتعاظم دور تجار الأزمات.

* انضمام جيش جديد من العاطلين من العمل، وتسريح عشرات ألوف العاملين في المؤسسات الخاصة.

* تعطيل النشاط السياحي بنسبة 90 في المئة، وإغلاق المكاتب السياحية.

* تعطيل ما بقي من خطوط إنتاج، وتوقف المهن بسبب الظروف الأمنية.

هناك تحليلات وتوقعات متناقضة تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم. ويرى بعض المتشائمين أن الطبقة الوسطى قد انتهت وتلاشت، ولم تعد قادرة أن تقف على رجليها، وأن استعادة نشاطها ودورها الاقتصادي والاجتماعي، يحتاج إلى سنين طويلة. أما المتفائلون من الباحثين والدارسين للأزمات والواقع السوري ومكوناته، فيرون أن سورية ستخرج من الأزمة، وتستعيد بناءها وتسير في طريق التقدم والتطور دون أية التفاتة إلى الوراء. وستستعيد الطبقة الوسطى دورها المنوط بها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

العدد 1140 - 22/01/2025