إلى أين يتجهون بالأردن؟

عندما يقرأ المرء تصريحات المسؤولين الأردنيين المتكررة عن رغبتهم في النأي بالنفس عن التدخل في الأزمة السورية، وكان آخرها ما قاله الملك عبدالله الثاني، بعد لقائه الحاكم العام لنيوزيلنده في عمان منذ يومين (إن الأردن يدعم الجهود لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية، بما يحافظ على وحدتها وتماسك شعبها، ويضع حداً للعنف وإراقة الدم)، محذراً من (تداعيات هذه الأزمة على المنطقة).. يتساءل على الفور: إذن أين هي المشكلة؟

والمشكلة واضحة كالشمس، فهذا الملك الذي كادت تقتله الحيرة وهو يراجع حساباته منذ أكثر من سنة، ويتمايل مع الضغوط التي تمارس عليه يمنة ويسرة، ويميل كما تميل الأهواء والأنواء من الشرق أو الغرب، هذا الملك قرر أخيراً أن يكسر حاجز التردد، وأن يحسم أمره وينحاز إلى طلبات وأوامر من وعده بتلقي مساعدات تقدر بنحو مليارَيْ دولار، لإنقاذ اقتصاد بلاده من الانهيار، ولو كان ذلك على حساب دماء (الشقيقة) و(الجارة الشمالية) سورية، ولو كان أيضاً على حساب أمن مملكته واستقرارها المزعزع أصلاً.

إن قرار الملك الأردني السماح بدخول 200 عنصر فني ومخابراتي أمريكي إلى الأردن ليقوموا بتدريب 5000 مرتزق و(مجاهد) يتأهبون للتسلل إلى سورية، إضافة إلى من سبق لهم أن تسللوا فعلاً إليها، وقاتلوا في صفوف المجموعات السلفية التكفيرية السورية وقتل قسم منهم، إن هذا القرار هو زجٌ للأردن في أتون النار المشتعلة في سورية، التي لن يزيد دوره فيها على دور الحطب المستعمل لإيقاد النيران في المواقد.

ولم يكْتفِ بذلك، بل يبدو أنه سيسمح للأمريكيين بنصب صواريخ (باتريوت) على الحدود السورية -الأردنية، وهذه لن تكون وظيفتها، إن لزم الأمر، أن تقصف إسرائيل أو جزر هونولولو بالطبع، بل سورية والشعب السوري حصراً.

إن خطوة الملك الأردني هذه تأتي في إطار الجهود المحمومة التي تقوم بها كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لتسليح المعارضة الخارجية المسلحة في سورية، والتي أثمرت، على ما يبدو، في الاتفاق على تقديم أسلحة من أنواع مختلفة لهذه المعارضة، وزيادة الضغوط السياسية على سورية إلى حد المطالبة باتخاذ قرار كاريكاتوري يسقط عضويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على غرار القرار المسخ الذي اتخذته (الجامعة العربية) بحقها.

ولكن يبدو أن جلالة الملك يريد أن يلعب اللعبة لآخرها.. فقد تردد أن السيد كيري، وزير الخارجية الأمريكية، أثناء جولته الأخيرة في المنطقة، كان يمهد لقيام تحالف رباعي يجمع الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل وتركيا، يتولى هذا الحلف متابعة الشأن السوري سياسياً وعسكرياً وإحكام الطوق على سورية من محافظة درعا، وأن هذا الموضوع إضافة إلى  موضوع إقامة منطقة عازلة بين سورية والأردن تشرف عليها إسرائيل، وتكون حاجزاً بينها وبين الجهاديين السوريين والأجانب، والسماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء الأردنية، سيكونان موضعاً للبحث بين هذه الدول الأربع.

إن السؤال الذي نطرحه هنا: أين مصلحة الشعب الأردني في كل ما تطبخه القيادة الأردنية؟ هل بالعداء لسورية وشعبها الذي تربطه بأشقائه الأردنيين أعمق الروابط الاقتصادية والاجتماعية والعائلية؟ وأين مصلحة الأردنيين في قتل السوريين، وفي تحويل الأردن إلى خزان بشري للمرتزقة القادمين من أنحاء الكون تحت راية الجهاد الكاذبة؟ وسؤال أخير نطرحه على المسؤولين الأردنيين: هل بمقدور الأردن تحمّل مضاعفات انفجار الوضع في المنطقة واحتواء ارتداداته؟ وهل يظن هؤلاء أن سورية التي صمدت بوجه أعتى غزوة استعمارية ورجعية، أكثر من عامين، ستكون لقمة سائغة في أفواههم؟!

العدد 1140 - 22/01/2025