متى يغلق ملف الاعتقال السياسي؟!

في الوقت الذي كان يتطلع فيه الطامحون إلى الخروج من الأزمة العميقة التي تمر بها البلاد، عبر حوار سياسي يشمل جميع القوى الوطنية، إلى انفراج أمني داخلي عماده إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، مما يهيئ المناخ لمثل هذا الحوار، تناقلت الأنباء في الأيام الأخيرة خبر اعتقال الرفاق في حزب العمل الشيوعي، والقياديين في هيئة التنسيق الوطني (الفنان التشكيلي العالمي يوسف عبدلكي، وتوفيق عمران، وعدنان الدبس) الذين سبق أن اعتقلوا أكثر من مرة بسبب ميولهم السياسية! ويستمر حتى الآن اعتقال المئات من السياسيين على خلفية فكرية أو سياسية، ومنهم الدكتور عبد العزيز الخير والمحامي خليل معتوق الذي يعاني مرضاً يتهدد حياته، وعلاء شويتي، وإياس عياش، وماهر طحان، وغيرهم وغيرهم من النساء والناشطين.

حينما صدر الدستور الجديد في سورية باستفتاء شعبي منذ نحو سنة ونصف، توقع بعض الذين يحدوهم التفاؤل،(ومنهم من كان يتصور أن المشكلة تتعلق بالنصوص والتشريعات) فقط أن مرحلة جديدة ستنطلق في البلاد تعم فيها الحرية والكرامة والديمقراطية، خاصة أن الدستور الجديد تضمن أجمل النصوص المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن ضمنها تلك التي تنص على ضمان الحريات العامة وسيادة القانون واستقلال القضاء. علماً أن الأسباب الداخلية العميقة للاستياء الشعبي الذي كان في جذور الأزمة التي تعانيها سورية منذ عامين ونصف العام، لا تكمن فقط في طبيعة الاستئثار بالسلطة، والسياسة الاقتصادية والاجتماعية التي سادت في البلاد خلال السنوات الماضية، وجائحة الفساد التي استشرت خلالها، وإنما أيضاً إلى جانب ذلك كله انتهاك حقوق الإنسان، وعلى الأخص من خلال ممارسة سياسة الاعتقال الكيفي والسياسي لمجرد ارتكاب (جرم) اعتناق فكر أو رأي سياسي مُنافٍ لما هو (مفترض)! وبقاء المعتقل سنوات طويلة دون محاكمة، أو من خلال إحالته إلى محاكم استثنائية كمحكمة أمن الدولة.

إن مجابهة التآمر الخارجي الذي استغل الخلل  في الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الداخلي، وركب موجة التوجهات الشعبية ذات المطالب المشروعة بالأساس، يتطلب اليوم أكثر من أي وقت العمل على معالجة الأسباب المذكورة في جميع المجالات، ومنح الأوّلية لتغليب العمل السياسي على الجانب الأمني في معالجة الأوضاع الداخلية، فلربما يساعد ذلك على التوجه نحو كسب أوسع  فئات الجماهير الشعبية وحشدها في مواجهة التآمر، لا دفع بعضها إلى أحضانه بواسطة ممارسات خاطئة.

ومن المؤكد أن اتساع دائرة القناعة لدى جميع القوى  الداخلية والإقليمية والدولية بأن المخرج الوحيد والسليم من المعاناة السورية الحالية هو التوجه نحو حل سياسي يضمن الانتقال بالبلاد نحو مجتمع مدني ديمقراطي تسود فيه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بواسطة حوار وطني واسع وشامل، يتطلب خلق المناخ لمثل هذا الحوار الوطني، ومن أوّليات ذلك إغلاق ملف الاعتقال السياسي، وإطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية فكرية أو سياسية. وعليه فإن استمرار الممارسات المنافية للدستور والديمقراطية وحقوق الإنسان، وخاصة أسلوب الاعتقال الكيفي والسياسي، لا يعرقل فقط، تهيئة الأجواء المناسبة للتوجه نحو الحوار الوطني  وخاصة مع المعارضة الوطنية الداخلية  والسعي نحو الحل السياسي، بل ويضخ الماء في طاحونة القوى التي تعارض هذا التوجه وتعمل بجميع الوسائل من أجل عرقلة التوصل إليه، والراغبة في استمرار مسلسل العنف والمزيد من سفك الدماء وسقوط الضحايا وأعداد المشردين والخراب والتدمير للبلاد.

العدد 1140 - 22/01/2025