كلنا ضحايا الجلاد.. دراسة نقدية لمقالة بعنوان (ضحايا على مذبح لعبة الأمم)
نشرت جريدة (النور) صفحة 3 (شؤون دولية وعربية)، العدد 641 مقالة بقلم السيد جاك جوزيف أوسي.
استعرض فيها الكاتب دور الأقليات الدينية، خاصة المسيحيين بشتى طوائفهم في حفظ تراث الشرق ونقله عبر الأجيال وإسهامهم في صنع حضارة المنطقة، وما قوبلوا به من الإمبراطورية العثمانية ومذابحها التي طالت الملايين من الأرمن والسريان وغيرهم من الأقليات، وله في ذلك كل الحق.. ثم تحدث عن الهجرة الكبيرة للمسيحيين في العصر الحاضر بعد بدء ما سمي (الربيع العربي) ونمو التطرف الديني التكفيري، وعن أحداث الموصل ومنطقة سنجار في العراق مؤخراً من جرائم قتل وتهجير للمسيحيين والأزيديين، وهذا صحيح.
لكن المفاجئ أن يحمّل الكاتب (الأكثرية) في منطقتنا مسؤولية التقصير في الدفاع عن الأقليات الدينية، إذ يقول: (لم يلتفت إلينا أحد، حتى أبناء وطننا تغاضوا عن أوجاعنا تحت شعار أن الوجع والمعاناة عامة). ويؤكد هذا الاتهام بالتقصير من قبل (الأكثرية) عندما يقول (هذه الهجرة الكبيرة للمسيحيين هي صفعة في وجه المسلمين)!
أذكـّر السيد الكاتب أن بدء الهجوم الواسع الممنهج على المسيحيين وحرق كنائسهم وتهجيرهم في مشرقنا العربي بدأ مع الغزو الأمريكي للعراق عام ،2003 وكان عنفاً وتنكيلاً منظماً لإفراغ العراق من مسيحييه.. لكن هذا العنف شمل أيضاً كل أبناء الشعب العراقي، واغتيل خيرة علماء العراق وأكاديمييه، وهُجر الملايين منه توزعوا على سورية والأردن ولبنان وبلاد أخرى، وهم من كل الطوائف والمذاهب والأديان. وأذكـّر السيد الكاتب أيضاً بأنه قبل ذلك بكثير قام الاستعمار البريطاني بدعم من الحركة الصهيونية العالمية وعصاباتها الإرهابية بارتكاب المجازر بحق الشعب العربي الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه لتهجيرهم من فلسطين. كما اتهم صاحب المقالة المؤسسات الدينية في العالم العربي الإسلامي بقوله على لسان الأقليات: (تتساءل هذه الأقليات لماذا هذا الصمت المريب من المؤسسة الدينية في العالم العربي والإسلامي عما يحدث من جرائم؟) ألم يسمع كاتب المقالة بمواقف المؤسسة الدينية في سورية التي اتهمت هذا المخطط التكفيري منذ بدايته، واعتبرته مخططاً استعمارياً صهيونياً، وعرّت التطرف الديني التكفيري، واعتبرته أداة لتدمير مجتمعنا؟ وذهب ضحية هذا الموقف الشريف العديد من العلماء الإسلاميين، كان على رأسهم العلامة الشهيد البوطي الذي اغتالوه في الجامع!
ألم يسمع موقف مؤسسة الأزهر في مصر الواضح الصريح بإدانة هذا العنف التكفيري واعتبرته إرهاباً، بل وصفته مؤخراً بأنه يخدم أهداف الاستعمار وإسرائيل؟! لقد دمّر هؤلاء التكفيريون في حلب مثلاً أغلب أحيائها القديمة، بكل تراثها بجوامعها وكنائسها ومزاراتها، أضرحتها الإسلامية والمسيحية! وهو تراث السوريين جميعاً.
ويتساءل كاتب المقالة: (لمصلحة من يجري كل ذلك؟) عجباً ألم يسمع الكاتب بالفوضى الخلاقة! هذا المشروع الأمريكي – الصهيوني لتفتيت المنطقة وضرب مكوناتها وتحويلها إلى كانتونات مذهبية متصارعة؟!
إن الجيش السوري البطل الذي يحوي من كل أطياف الشعب السوري، قدم آلاف الشهداء في دفاعه عن الوطن، ودافع وطّهر بعض المناطق التي يعتبر بعضها رمزاً عالمياً للتراث المسيحي الأصيل في بلادنا، أهمها مدينة معلولا.
ثم يقول السيد الكاتب: (القول بأن هؤلاء صنيعة خارجية مرفوض تماماً، فلولا وجود بذور هذا الفكر ووجود مؤيدين له، لما تمكن أحد من استخدامهم أبداً..)، وينسى صاحب المقالة أن الأمريكي جمع هؤلاء المتطرفين من أصقاع العالم وأعدّهم ودربهم وسلحهم وموّلهم ليقوموا بما يقومون به، وأنهم قبل أن يأتوا إلينا ما كان لهذه الظاهرة وجود بيننا.
وفاجأني أن يختم السيد أوسي مقالته بالقول (إن ضحية اليوم قد يكون جلاد المستقبل، إن لم تعالج هذه النقاط، وهي غيض من فيض مما بدأ يعتري صدور الجميع في الشرق الأوسط).. ومن سياق المقالة نستنتج بوضوح أن الضحية هم الأقليات، أما الجلاد فالمعنى ملتبس، فهل يقصد بالجلاد الإرهابيين أم (الأكثرية) المسلمة؟ أخشى أن يكون المقصود هو المعنى الثاني، ويكون هذا التحذير يحمل معنى انتقامياً ثأرياً خطيراً! ثم أي النقاط التي يجب أن تعالج؟ ومن سيعالجها؟
يا أخي كلنا ضحايا، والجلاد واحد ومعروف، وهو الغرب الاستعماري وعلى رأسه أمريكا، والتكفيريون ماهم إلا أدوات هذا الجلاد لمشروعه القذر، وعلى كل الشعوب والدول في المنطقة بل والعالم مجابهة هذا المشروع المجرم لتفكيك المنطقة، والانتصار عليه، لأنه عدو كل الشعوب وعدو الحضارة والإنسانية والحياة الحرة الكريمة.