بعد اقتراحات بوتين وموافقة أوباما على حل مسألة الكيماوي.. السوريون ينتظرون الحل السياسي لأزمتهم
بعد لقاءات مكثفة دامت ثلاثة أيام في جنيف، توصل الوزيران لافروف وكيري إلى ترجمة اتفاق (العشرين دقيقة) بين بوتين وأوباما، على هامش قمة العشرين، لإبعاد شبح العدوان الأمريكي على سورية، ومخاطر التفجير الإقليمي، وربما العالمي.
سبق اتفاق الوزيرين، موافقة الحكومة السورية على مبادرة روسيا الهادفة إلى تأمين السلاح الكيميائي السوري، ووضعه تحت مراقبة المنظمة الدولية وقرارها لتحديد مصيره.
الاقتراح الروسي والموافقة السورية والاتفاق الذي أعلنه الوزيران في جنيف، أبعد مؤقتاً خطر (التوماهوك)، وبدد إلى حين غيوم الرعب والخوف التي غطت سماء المواطنين السوريين الذين اكتووا بنزيف الدماء والتهجير القسري والتهديم المتعمد لكل ما أنجزوه في عقود.
لن ندخل في عمق التحليلات السياسية التي روجتها الأقنية الخليجية.. (الثورية)، قبل الإعلان عن الاتفاق (الكيماوي)، ولا بالخرائط اللوجستية التي عرضها الخبراء العسكريون (المحايدون) على شاشاتها، لإنجازات (التوما هوك) وقدرتها على دك القدرة العسكرية للجيش السوري، وكيفية اقتناص المقرات العسكرية، وشل إمكانية الرد، وتأكيدهم أن العدوان واقع لا محالة! فقد أثبتوا مرة جديدة أن حقدهم على سورية وشعبها لا يحده حدود، وكم تمنوا أن يتحولوا إلى أصحاب القرار في تدميرها، وإعادة إعمارها داخل كهوف منظومتهم الفكرية.. الظلامية.. الإقصائية المتداعية.
ما الذي أكدته المبادرة الروسية، وموافقة الحكومة السورية على مضمونها؟
1- في مقابل القطب الأمريكي المدجج بعقلية (الكاوبوي) والبوارج المسخرة لنهب الشعوب، برزت أقطاب أخرى، يزداد وزنها اقتصادياً وسياسياً، تعادي تفرُّد قطب واحد بمصير العالم، خاصة القطب الروسي الذي واجه مشروع الهجوم الأمريكي المسلح على سورية بهجوم سلمي مترافق مع احتياطات عسكرية وقائية، أثبت فيه حرصه على سورية وشعبها، وسعيه إلى حل سلمي لأزمة السوريين، وظهرت روسيا- بعد غياب طويل- قطباً عالمياً لا يجيد السياسة فقط.
2- أظهرت المبادرة الروسية، وحرص الحكومة السورية على الاستجابة لها، مقدار تعلق السوريين الجالسين في أحضان (بندر) وحرصهم على بلادهم، وعلى دماء إخوانهم.. فقد ملؤوا الدنيا زعيقاً وعويلاً، بعد التراجع النسبي بلغة التهديد الأمريكية.. وراحوا يستجدون ولو صاروخ (كروز) واحداً، مشككين بالنوايا الروسية – السورية، محرضين على تصعيد القتل والذبح والتخريب.
3- رغم استعداد شعبنا وقواه السياسية الوطنية والمجتمعية والدينية لصد العدوان الأمريكي دفاعاً عن بلاده وسيادتها، وثوابتها الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية، فقد تابع عن كثب ورجاء، الجهود الروسية – السورية للجم العدوان بمبادرات سياسية، منعاً لاشتعال المنطقة، وحرصاً على تجنيب سورية وأبنائها مزيداً من الدماء والحرائق والخراب.
4- كما أظهرت الاستجابة السورية للعالم أجمع صدق نوايا الحكومة في المضي دون شروط إلى حل سياسي للأزمة، فلجم العدوان الأمريكي الذي اتفق جميع العقلاء على أهدافه الرامية إلى إدخال سورية والمنطقة في نفق أسود، مليء برائحة البارود، يعني بجميع المقاييس تغليب لغة السياسة والعقل، والتمسك بتوافق السوريين وخياراتهم السياسية الديمقراطية.. وهذا ما نرى إبرازه أكثر فأكثر، واعتماده نهجاً يومياً للحكومة السورية، انسجاماً مع حملات التأييد الشعبي والمجتمعي العربي والأوربي والعالمي لصمود سورية، والشجب والاستنكار لمشروع العدوان الأمريكي على سيادتها.
5- إن تشظي تداعيات الأزمة السورية إقليمياً، واكتسابها سمات طائفية، اشتغل عليها طويلاً من حاول أخذ سورية قديماً من بوابة تنوعها الطائفي والإثني، وتصاعد همجية القادمين من كهوف (تورا بورا)، يؤشر إلى نية مبيتة لتهديم سورية الدولة، وسورية الانسجام والتعايش، وسورية المحور الأساسي لمن بقي من الصامدين الحقيقيين في وجه الإمبريالية والصهيونية، وهذا ما ينبغي مواجهته بردع تتولاه وتتقدم فيه قواتنا المسلحة، كما يواجه بهجوم سلمي مشابه لهجوم روسيا باتجاه حل سلمي للأزمة، نحافظ به على دولتنا وجيشنا وشعبنا وخياراته دون تدخل أجنبي.
6- طالبت سورية منذ زمن طويل بنزع دائم لجميع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة والعالم، لإدراكها مدى خطورة هذه الأسلحة على التطور المستقل لبلدان الشرق الأوسط، وخاصة بعد امتلاك الكيان الصهيوني للسلاح النووي بعد تجاهل الولايات المتحدة وأوربا الغربية لخطورة التفوق الإسرائيلي وآثاره على مستقبل الإقليم، والحل النهائي للقضية الفلسطينية، ولحق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير.. لذلك بات لزاماً على المجتمع الدولي وأقطابه العمل على لجم الخطر النووي الإسرائيلي، ونزع أسلحة الدمار من المنطقة الأكثر غلياناً في العالم.
7- إن من توهم أن الموافقة السورية على رقابة سلاحها الكيميائي تعني التراجع والتسليم والاستسلام للإرادة الأمريكية والصهيونية، وأن تنازلات سياسية واقتصادية أخرى آتية لا محالة، قد خانته الدقة والرزانة السياسية.. فالسلوك السياسي السوري كان ومازال ساعياً من أجل السلام العادل المحقق لتطلعات الشعوب، لكنه في الوقت ذاته لا يقبل المساومات الكبرى!
8- إسرائيل لن تكون الرابح الوحيد- كما يروج البعض- بعد موافقة الحكومة السورية على رقابة سلاحها الكيماوي، فالتوازن هنا ليس عسكرياً، وليس (كيماوياً) فقط، بل هو توازن سياسي.. عسكري.. اقتصادي شامل، سيتدعم ويكتسب عوامل قوة جديدة، بعد التوافق على حل سياسي للأزمة السورية، يعيد إعمار سورية ويحافظ على سياستها الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية.
إن جماهير الشعب السوري التي وقفت خلف المتراس لمقاومة العدوان الأمريكي، تتطلع اليوم إلى تفكيك أزمتها التي طالت، وتشعبت، وكثر فيها اللاعبون والداعمون (العروبيون) وصقور الحرب وسكان الكهوف، كي تبقى سورية دائماً مقبرة لأي طامع وغاز.