الحزب الشيوعي السوري (الموحد): تراجع أمريكي اضطراري بفضل صمود سورية وقوة تحالفاتها

حلفاء الأمريكيين والمستنجدين بهم أصيبوا بإحباط شديد

الحل السياسي هو مفتاح لتفكيك مشكلات المنطقة

الخيار الديمقراطي أساس لحل الأزمة وإعادة بناء سورية

الجماهير الشعبية تئن بسبب فلتان الأسعار وغياب رقابة الحكومة

 اجتمعت أمانة المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري (الموحد) بتاريخ 14/9/2013 وناقشت مشروع التقرير السياسي التالي وأدخلت عليه التعديلات اللازمة، وأقرت إرساله إلى منظمات الحزب:

بدأ انعطاف جديد في مسار الأزمة في 21 آب الماضي، إذ أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها أن الجيش السوري استعمل السلاح الكيماوي، أثناء تقدمه  في الغوطة الشرقية، وجرى تجنيد وتجييش كل الأوساط الإعلامية في الغرب للترويج لهذه الأكذوبة. و في ظل الحملة العالمية تلك، أطلق أوباما تهديده الشهير، معلناً عزمه على توجيه ضربة عسكرية ضد سورية.

– ثار عالم الشعوب الصديقة ودولها ضد هذا الاتهام الباطل للأسباب التالية:

1- إن يوم 21/،8 هو الموعد التي حددته سورية بالاتفاق مع الأمم المتحدة لبدء عمل لجنة التحقيق الدولية، لتحديد المسؤولية عن استعمال الكيماوي في خان العسل.

2- إن سورية هي التي طلبت تشكيل هذه اللجنة الدولية منذ شهر آذار، وهي التي كانت تصرّ على هذا التحقيق، وكان الغرب يتهرب منه، لذلك ليس منطقياً أن يكون موعد بدء لجنة التحقيق هو اليوم نفسه الذي جرى فيه الاستعمال الجديد للكيماوي.

3- إن وقوع الضحايا في خان العسل قد جرى في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري.

4- إن اتهام سورية بالعمل الإجرامي هذا، لا يستند إلى أي دليل، أو بينة، والقاعدة الحقوقية العالمية والمحلية تقول إن  (الحجة على من ادَّعى)، وحتى الآن لم يقدم الغرب دليلاً واحداً على مسؤولية سورية لا في خان العسل ولا في محيط الغوطة الشرقية.. بينما قدمت روسيا دلائل جدية وإثباتات قوية على عكس ذلك.

5- وفوق هذا وذاك لم يكن هناك مصلحة عسكرية للجانب السوري، أو ضرورة ماسة تضطره إلى استعمال هذا السلاح.

وسط الحملة الإعلامية والبراهين القانونية القوية التي قدمها أصدقاء سورية، بدأ العالم يغير نظرته، وانكشفت أضاليل الغرب، وكان كل ذلك مترافقاً مع تدفق الأساطيل الروسية إلى البحر الأبيض المتوسط، والكشف عن تملكه أسلحة عالية التطور، مترافقة مع موقف رسمي من أعلى المستويات الروسية، متهمة الغرب بالتحضير للعدوان على سورية، وأن هذا العدوان لن يمر ولن يسمح بسقوط الدولة السورية أو هزيمتها، وأن على الغرب  أن يمتثل للقوانين الدولية التي تمنع عدوان دولة على دولة أخرى.

وكان لتهرب الغرب من تشكيل لجنة دولية، وقيامه بتهديد سورية قبل صدور أي اتهام، أثر بالغ في فضح نوايا الغرب بالتحضير للعدوان بذريعة استعمال السلاح الكيماوي.

وإثر ذلك قام العالم ولم يقعد تضامناً مع سورية حتى هذه اللحظة. وإن حملة التضامن العالمية التي جرت لصالح سورية هي أهم حملة تضامنية عرفها العالم بعد حرب فيتنام، وهي ظاهرة تستحق الدراسة والتمحيص في طبيعتها ونتائجها، ويجب أن تدفع الدولة والأحزاب والهيئات السورية المختلفة لتحسين طرق التخاطب مع الرأي العام العالمي.

مؤشرات على انكسار الامبريالية

وإننا نرى أن هذه الحملة هي إحدى العلامات الرئيسية لانكسار العالم القديم وعالم الهيمنة والسيطرة الإمبريالية الأمريكية على العالم كله، يدل عليه:

1- انفراط الحلف المعادي وتفككه، وابتعاد الدول الأوربية الغربية الواحدة تلو الأخرى عن الاشتراك في العدوان الأمريكي المرتقب.

2- سقوط مصداقية الولايات المتحدة  في العالم، وثبوت أنها دولة لاتحترم الشرعية الدولية، وبالنهاية فهي دولة مارقة.

3- استعادة الدور القطبي لروسيا ومرجعيتها العالمية، وبخاصة بعد تشكيل حلفين يغطيان ثلث العالم وهما دول البريكس وحلف شنغهاي.

لقد وُضع العالم على شفير الهاوية في الأسبوعين الماضيين، وكانت قعقعة السلاح هي الصوت  الأبرز في العالم الذي أصيب بالذعر، نتيجة الاحتمال الذي بدا واضحاً، وهو احتمال تحول الهجوم المرتقب على سورية إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، بعد أن تأكد العالم من جدية الموقفين الروسي والإيراني في الدفاع عن سورية، وبعد إصرار الولايات المتحدة على رغبتها في القيام بعمل عسكري ضدها، استجابة لمصالح القوى الأكثر تطرفاً فيها. لكن المواقف الأوربية المنسجمة أو المترددة، وضغط الرأي العام العالمي، وتهديدات القوى الصديقة لسورية، وحسابات القوى العسكرية لكل من الطرفين، ورغبة العالم كله في تجنب الحرب، والشعور العالي بالمسؤولية الذي امتلكته روسيا بالتجاوب مع رغبة العالم في إحلال السلام، دفع الجانب الروسي إلى تقديم مبادرته حول وضع مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية تحت إشراف دولي، والتي أيدتها معظم دول العالم وخشيت منها دول أخرى، وتحفَّظ عليها البعض.

المحبطون والمستنجدون بالتوماهوك

فقد كان أبرز الدول والقوى الرافضة للمبادرة هي تركيا والسعودية والمعارضة السورية المسلحة، سواء ما يسمى (الجيش الحر) أو (التنظيمات التكفيرية) التي كانت تنادي علناً وبكل صفاقة بتوجيه ضربة إلى الدولة السورية، بوصفها حلاً وحيداً لإسقاطها، بعد أن فشلت بذلك كل الطرق الأخرى، نتيجة صمود شعبها وجيشها.

بالفعل فإنه من العار الشنيع والمجرد من أي أخلاق أن يظهر بعض العملاء على شاشات التلفزة ويناشدوا الولايات المتحدة ويتوسَّلوا إليها قصف بلدهم وتدميره، إن الشعب السوري منهم براء.

أما الموقف الأمريكي الذي أربكته المبادرة الروسية والتي لم يكن أمامه سواها لتجنب المأزق الذي تورط به، وبعد حسابات دقيقة لموازين القوى التي أثبتت لهم أن العدوان على سورية لن يكون نزهة بحرية، وجد أيضاً في هذه المبادرة مايحفظ ماء وجهه، خاصة أن توقعات التصويت بالكونغرس الأمريكي لم تكن تميل لصالح الحرب، بل إن أكثريته كانت ضد هذه الحرب، حسب أقوال الرئيس أوباما بالذات.

أما في الأقطار العربية فقد كان المشهد مفاجئاً إلى حد ما.. فالسعودية كانت تستعد استعداداً عسكرياً مهووساً للعدوان والتمهيد له بعقد جلسة طارئة للجامعة العربية، فقد دعت إلى اجتماع لمجلس وزراء الدول الخليجية بدلاً من دول الجامعة لمطالبة الولايات المتحدة بالتدخل العدواني المسلح، في سابقة تدل على العهر السياسي لدى عملاء الولايات المتحدة. بينما نهض الشارع العربي، وخاصة الشارع المصري، ليمد جسور الوصل ويعيد بناء روابط الرحم والدم التي تربطه بسورية عبر قرون من الزمن.. وكان لنهوض الشارع العراقي والأردني والفلسطيني والتونسي أثر مهم في تغيير موازين القوى.

ارتياح شعبي

أما الشارع السوري فقد غمرته موجة من الارتياح، شعوراً منه بابتعاد خطر الضربة العدوانية التي كانت ستضيف مأساة جديدة إلى مآسيه القائمة. ولكن القلق لايزال ينتابه، لأن إسرائيل ستبقى غير ملتزمة بالتوقيع على معاهدة حظر أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، إلا أن المبادرة الروسية أعطت بارقة أمل بقرب استئناف مسيرة الحل السياسي، التي حاولت الولايات المتحدة، وتحاول تعطيلها، أو ربما لأن أولئك الغربيين والأتراك وبعض العرب، بل وبعض السوريين، سيحاولون بكل الوسائل إفشال المبادرة وإفشال المساعي بالتوجه نحو جنيف 2.

أيها الرفاق!

مما لاشك فيه أن الحلقة الأساسية من مراحل تطور الأزمة السورية قد تركزت في الآونة الأخيرة على تجنب الضربة العسكرية العدوانية لسورية، وهي الضربة التي كانت محتملة الوقوع بعد أن أصبحت خياراً ضاغطاً على الإدارة الأمريكية أمام القوى العسكرية البحرية التي حشدتها، وأمام ضغوط الأوساط الأشد تطرفاً في الإدارة الأمريكية التي لم تكن تتصور أن تفقد قدرتها على التحكم بمصير العالم، وخاصة بعد سلسة تعهداتها بإسقاط الدولة السورية، وإزالة محور المقاومة، وضمان أمن إسرائيل.

لكنها أدركت استحالة تنفيذ مخططها هذا دون عواقب وخيمة جداً عليها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.. فكان لابد من السعي للخلاص من هذه الورطة عبر قبولها بالمبادرة الروسية التي أفلحت في نزع فتيل التفجير الضخم الذي كان يهدد المنطقة. وفي هذا الأمر مصلحة سورية حقيقية.

إلا أن الموقف الأمريكي لا يمثل خياراً جديداً تحترم فيه الولايات المتحدة حقوق الشعوب والقوانين الدولية، فهو خيار اضطراري لها، وستحاول متابعة تنفيذ مخططاتها العدوانية التي لجأت إليها  في السابق، مثل استمرار تصدير المرتزقة الأجانب من جميع أنحاء العالم، ومد مايسمى ب(الجيش الحر) بأحدث المعدات. وستواصل ضغوطها الاقتصادية في محاولة لخنق الشعب السوري. وقد تتطور أعمال التخريب والاغتيالات ونسف البنى التحتية. كما أنها قد تصطنع العراقيل أمام تنفيذ الاتفاق الأمريكي الروسي الأخير لإبقاء سيف التهديد مسلطاً فوق رؤوس السوريين.

وما لم تظهر الولايات المتحدة حسن النية لتنفيذ الحل السياسي للأزمة السورية عبر مؤتمر جنيف 1 و،2 وتبرهن على ذلك عملياً، فلن تهدأ المنطقة وستغرق مرة أخرى في أجواء الحرب.

متطلبات استمرار الصمود

ومن المطلوب الاستمرار في الجاهزية السورية لردع العدوان، وعدم الطمأنينة لنوايا القوى الإمبريالية وأتباعها وحلفائها الذين لم يتحقق لهم ما أرادوا وما خططوا له من إسقاط الدول والقدرات العسكرية الوطنية في كل من سورية ومصر والعراق، حرصاً على أمن إسرائيل.

إننا نرى أن تحضير الجبهة الداخلية لمواجهة أي عدوان خارجي أو إرهابي داخلي، هو المهمة الأساسية الملقاة على عاتق السلطة أولاً،مما يتطلب الاستمرار في الحوار الوطني والحياة السياسية الداخلية بإشراك جميع القوى الوطنية في إدارة شؤون البلاد على نحو ديمقراطي وتعددي حقيقي، ورفع الغبن عن كاهل الجماهير الشعبية التي أنهكها  فلتان الأسعار ونهب الاحتكاريين والجشعين من التجار وامتداداتهم في الدولة.

العدد 1140 - 22/01/2025