غيرت سورية في قواعد التوازن الاستراتيجي… والضامن روسيا حتماً وإلا كانت إسرائيل مرة أخرى هي الرابح الأكبر
لا يمكن لعاقل أن ينادي بفضائل السلاح الكيميائي، ولا أن يحض على تخزينه أو استخدامه. لكنه، ليس دقيقاً القول إن سورية لن تخسر شيئاً بتخليها عن سلاحها الكيميائي سحباً للذرائع من أمام العدوان الأمريكي الذي لاحت أعلامه في الأفق.
مبدئياً القرار سليم من أجل تدارك إمكان حدوث العدوان، يعني: أنه سليم بوصفه موقفاً تكتيكياً يمنع وقوع الكارثة بأي صورة كانت، ولو على حساب اعتبارات أخرى لها الطابع الاستراتيجي! الحقيقة أن العدوان الذي خُطط له، ولو وصف بالضربة المحدودة، كان يمكن له أن يحدث أم الكوارث في سورية، خُطط له كذلك أم لم يُخطط.
لكن ذلك لا يؤكد أن الأمور مضت بلا خسائر، كما يطيب للبعض أن يشرح ويستنتج! لقد ضحّت سورية بفكرة التوازن الاستراتيجي، ولو أن السلاح الكيميائي عاجز عن موازنة السلاح النووي الإسرائيلي، لكنه يخلق حالة من توازن الرعب.. فهل ضحت سورية بكل قواعد لعبة التوازن هذه؟
تعود فكرة التوازن الاستراتيجي بين سورية والعدو الصهيوني إلى عهد الرئيس المرحوم حافظ الأسد، وتتضمن وجود سلاح ردع يمنع أو يعيق السيطرة العسكرية المطلقة للعدو الصهيوني على الوضع العسكري و الاستراتيجي في المنطقة كلها. وقد زاد تمسك سورية بالفكرة، مع تراجع التحالف الذي كان قائماً مع الاتحاد السوفييتي السابق، وتحلل المواقف المفترضة في إطار الأمن القومي والتضامن العربي.
وفي الأزمة الأخيرة صرح وزير الخارجية الروسي (بما معناه) أن روسيا لن تخوض حرباً في سبيل مواجهة عدوان يقع على سورية. ورد السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري، جواباً على سؤال لصحفي، أن سورية لا ترحب بحروب دولية على أراضيها. وفي ظل هذا وذاك جاءت المبادرة، وكان القرار بأن تتخلى سورية عن سلاحها الكيميائي بما يحدُّ من قوتها بهذا الشكل أو ذاك، حتى وإن أخذنا الأمر من منظور سياسي بحت. فالسلاح الكيميائي شيء يمكن المفاوضة عليه سياسياً، ولاسيما بالنسبة لدولة محتلة أرضها.
هذا من جانب.. ومن جانب آخر فإن التضحية بهذا السلاح لسحب الذرائع من تحت أقدام العدوان الأمريكي، لن يمنع الولايات المتحدة ومن في صفها من خلق ذرائع أخرى تهدد بموجبها بالعدوان.. فهل فات هذا الأمر على الشريكين الروسي والسوري؟
بالتأكيد لا.. هذا ما لا يمكن أن يغفله شريكان قادا المعركة الدبلوماسية والسياسية التي رافقت الأزمة السورية وما زالت، بكفاءة لافتة، بل محرجة لخصومهما.
إذاً ماذا؟! هل ثمة اتفاقات سورية روسية لم تعلن؟! لا شك أن البلدين اتفقا على ما يعضد موقف سورية من أي عدوان.. لكن بالتأكيد ليس كما اجتهد مراقبون وإعلاميون حول ترسانة أسلحة أكثر من متطورة تقدمها روسيا لسورية، إنما يمكن أن يكون الدعم على شكل تعهد روسي بحماية أمن الدولة السورية من عدوان خارجي ما.